قبل أن ينتهي العبقري جمال حمدان من خاتمة كتابه استراتيجية الاستعمار والتحرير، تأكد من أن ما حلم به ودونه بين دفتيه هو مجرد أضغاث أحلام. فقد تصور أن تركيا وإيران مع العالم العربي سوف يشكلون يوما ما مثلث القوة في منطقة الشرق الأوسط. وأن اكتمال أضلاع هذا المثلث - برأيه - سيمثل لطمة قوية للسياسة الإسرائيلية في المنطقة العربية والإسلامية، التي تسعي حثيثا باتجاه عدم قيام أي شكل من أشكال التعاون الاستراتيجي بين الدول العربية والإسلامية يؤثر علي قوتها سلبًا. الأخبار المتواترة عن اقتراب تطبيع العلاقات بين إيران وإسرائيل، ثم التقارب التركي الإيراني الإسرائيلي، يؤشر بأننا علي أعتاب نظام إقليمي شرق أوسطي جديد، بالتزامن مع سعي العديد من الأطراف الأجنبية والإقليمية والعربية إلي تقويض دور مصر عربيا لحساب قوي إقليمية أخري، وتمكينها من السيادة علي القرار العربي، وكأننا أمام تحالف شبه موضوعي في المنطقة يتشكل الآن علي حساب الدول العربية كلها. ويبدو أن الجهود المصرية الدائبة لرأب الصدع العربي، والانقسام الفلسطيني الفلسطيني، والعودة إلي مائدة المفاوضات مجددًا، من أجل الخروج من هذا النفق المظلم، كانت علي وعي بخطورة الموقف العربي الراهن، وما ينتظر العرب إذا ظلوا علي ما هم عليه. وليس من قبيل المبالغة، القول: أننا بصدد تكرار سيناريو فشل كلينتون في تحقيق السلام بين العرب وإسرائيل، مع الرئيس أوباما أيضا، خاصة وأن الاستراتيجية التي تجعل من السلام العربي - الإسرائيلي مفتاحا للشرق الأوسط لا يتحمس لها، أو بالأحري لا يتبناها كثير من الأمريكيين. فقد خصص الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان مقاله في النيويورك تايمز للتعليق علي الجمود الذي أصاب عملية سلام الشرق الأوسط المتعثرة، ونصح إدارة الرئيس أوباما بالتخلي عن ما يسمي عملية السلام التي فقدت مصداقيتها بعد مرور الوقت وبعد اتكال كل من الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي أمريكا لتحقيق السلام بينما يرفضان دفع الثمن السياسي المطلوب. في المقابل دعا الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلي مواصلة الجهود من أجل السلام، في الذكري السنوية لاغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين، واعترف بأن الجميع أساء للرئيس أبومازن بما في ذلك إسرائيل والولايات المتحدةالأمريكية، مما دفعه إلي الإعلان عن عدم ترشحه مرة أخري في انتخابات الرئاسة الفلسطينية، في إشارة إلي تصريحات هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية التي دعت فيها إلي بدء المفاوضات دون وضع شروط مسبقة ودون وقف الاستيطان بالضفة الغربيةالمحتلة والقدس، وهو ما أغضب الرئيس أبومازن وأساء إليه. في محاولة لترتيب البازل الإقليمي في الشرق الأوسط، كتب سعد محيو في جريدة الخليج مقالا مهما بعنوان الانقلابات الإقليمية بانتظار مصر، أكد فيه: أن النظام الإقليمي الإسرائيلي - الأمريكي الذي برز غداة هزيمة 1967 ثم تكرس مع تهاوي العراق 2003 بدأ يتداعي.. ودون أن تتضح بعد ملامح النظام الجديد، فلا إسرائيل قادرة بعد علي التفرد بحكمه، ولا إيران مؤهلة لقيادته، ولا تركيا قادرة وحدها علي ملء الفراغ، ويخلص محيو إلي أن الأرجح هو التقارب المصري الإيراني التركي، وحين يحدث ذلك، ستكون قصة الانقلاب الإسلامي علي النظام الإقليمي الإسرائيلي - الأمريكي قد اكتملت فصولها. أما صبحي الغندور، مدير مركز الحوار العربي في واشنطن، فقد كتب مباشرة عن مسئولية مصر في إحياء التضامن العربي: إن المشكلة ليست في الظروف المحيطة بالعرب الآن بل في الجسم العربي نفسه، وتحديدًا في رأس هذا الجسم، إذ ليس هناك حاليا صراعات في المنطقة حول طبيعة الأنظمة ومناهج التغيير.. ومن شأن عودة الروح إلي التحالف السوري السعودي المصري، برأيه، أن يحقق أفضل الظروف لإقامة حوار عربي إيراني، وحوار عربي تركي، يضمن كل منهما المصالح العربية علي قاعدة تضامن عربي متين، ويخدم التنسيق المطلوب الآن بين الأمن العربي وجواره الإيراني والتركي وما لهذا الجوار الإقليمي الإسلامي من دور مؤثر حاليا في أحداث المنطقة. تري هل آن الأوان لتحقيق يوتوبيا جمال حمدان، أم أنها ستظل مجرد أضغاث أحلام؟