استكمالا للحديث حول البحث العلمي وأهميته في تقدم الدول نجد أنه علي بعد ثلاثمائة قدم تحت سطح فرنسا وسويسرا يرقد جهاز سرعان ما يتوقع له أن يزيح الولاياتالمتحدةالأمريكية عن موقعها القيادي في مجال البحث في العلوم الأساسية، وقبل أن نمضي في أمر الحديث عن هذا الجهاز، يجب أن نتساءل: هل لايزال للولايات المتحدة حتي الآن شرف ريادة البحث العلمي؟ فخلال العام المقبل يتوقع أن يكشف فريق من العلماء والباحثين الأوروبيين النقاب عن جهاز "لازج هادرون كولايدر"، الذي يعد أقوي جهاز تحطيم ذري عالمي فقطره يبلغ نحو سبعة أميال، بينما يحتوي علي مجسات قادرة علي تحديد النظائر الذرية الموجودة في باطن الأرض، وطوله يعادل ارتفاع بناية مؤلفة من سبعة طوابق فوق سطح الأرض، وتدور البروتونات 11245 دورة حول أنبوب الجهاز البالغ طوله 17 ميلا في الثانية الواحدة. وعلي الرغم من أن لهذا العمود البروتوني كثافة لا تزيد علي واحد من عشرة من كثافة ذرة من الرمال فإن له سرعة تقارب سرعة الضوء، فضلا عن تمتعه بقوة تعادل قوة طائرة نفاثة مقاتلة تطير بسرعة 500 ميل في الساعة، وللعمود البروتوني سيطرة خارقة تمكنه من الانتقال عبر أنبوب ضيق للغاية يقل قطره عن ثلاث بوصات، وفيما لو أدي هذا الجهاز وظيفته علي النحو المأمول له، فإنه يتوقع أن يسجل بين أهم الإنجازات العلمية التي حققتها البشرية علي الإطلاق. ولكن مهلا.. ألم تبادر الولاياتالمتحدةالأمريكية إلي تبني مشروع علمي مشابه لهذا قبل وقت ليس بالبعيد؟ والإجابة أن بناء جهاز عملاق لتحطيم الذرة قد بدأ العمل فيه تحت سطح سهول ولاية تكساس في عام 1991 . ان المتوقع لمشروع Superconducting Super Collider وهو الاسم المحدد الذي حمله، أن يقام في نفق يبلغ طوله 54 ميلا في الموقع المذكور، وأن يساهم في الكشف عن الكثير من الأسرار المتصلة بطبيعة الكون عن طريق توفير ظروف مشابهة للانفجار العظيم الذي نتج عنه تشكل الكون، إلا أن الكونجرس قرر في عام 1993 وضع حد لذلك المشروع العلمي الرائد، إثر انفاق ملياري دولار علي المباني التي يحتاجها، وعلي رغم حفر حوالي 15 ميلا من النفق المرتبط به. وليس في هذا القرار ثمة غرابة، إذا ما أخذنا في الاعتبار أن ميزانية العام الحالي الفيدرالية قد قررت خفض نحو 94 مليون دولار من التمويل المخصص لأبحاث فيزياء الطاقة وبالنتيجة فإن قوائم التسريح من العمل سوف تطال عددا لا يستهان به من كبار الباحثين والعلماء العاملين في المختبرات العلمية، بل أن في هذا القرار ما ينسجم تماما وللأسف مع عدم الالتزام الذي بدأت تبديه الحكومة الفيدرالية إزاء البحث العلمي خلال العقود الأخيرة الماضية، وللحديث بقية.