يعتقد كثيرون أن تربية الأبناء ليست إلا غريزة إنسانية جبل الإنسان علي ممارستها حالما يصبح هو أبا وتصير هي أما.. وكثيرا ما يطبق الآباء والأمهات عقيدة التربية بالمثل.. وهي عبارة عن ممارسة التقليد للآخرين في تربية الأبناء.. أما تقليد الآباء: نربي أبناءنا كما قام آباؤنا بتربيتنا.. أو تقليد الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل في طريقتهم لتربية أبنائهم.. والسؤال هو هل التربية الصحيحة تأتي بالغريزة أم بتقليد الآباء والأمهات في المجتمع من حولنا؟ أم أنها علم نحتاج لدراسته حتي نربي أبناءنا تربية صحيحة؟ الحقيقة التي لا تقبل مجالا للشك هي أن للتربية أصولا وقواعد يحتويها علم كبير متعدد الفروع هو علم التربية.. ولكننا ما زلنا بعيدين عن إدراك قيمة هذا العلم بالرغم من انتشار الكتب التي تتناول قواعده بالتبسيط والشرح والأمثلة لمساعدة الآباء والأمهات علي اجتياز هذه المهمة الصعبة بنجاح.. وبالرغم من وجود مواقع لا تحصي علي شبكة الانترنت تتناول هذا الأمر بالتفاصيل الدقيقة والمتابعة المستمرة.. قد يقول قائل إن آباءنا وآباءهم لم يعرفوا علم التربية ولا قاموا بالأخذ بمبادئه ومع ذلك خرجت من تحت أيديهم أجيال قوية.. والحقيقة غير ذلك، إذ إن الحكم علي جيل كامل بأنه قوي أو ضعيف ليس دقيقا ولا علميا.. كما أن الجدود كانوا يعيشون عصرا مختلفا تماما لا توجد فيه تحديات عنيفة كتلك التي يواجهها هذا الجيل.. وإذا كانوا قد عاشوا بصحة جيدة فذلك لأن التلوث كان أقل بكثير.. ولما زاد صار العالم يحتاج إلي أمصال وعقاقير لمواجهة خطره.. ولا تختلف التربية زمان والتربية الآن عن ذلك كثيرا.. ومشكلة التربية هي أن عدم اتباع قواعدها والأخذ بها ينشئ جيلا مشوها لا يمكن أن يتقدم به بلد ويتطور.. وقد أدركت الدول المتقدمة هذا منذ وقت طويل فصار للتربية مستشارون ومتخصصون، بل وأصبح طبيب الأطفال أيضا جزءا من عملية التربية.. فالطفل الوليد يلقي الرعاية النفسية جنبا إلي جنب مع الرعاية الصحية، وتستمر متابعته نفسيا وسلوكيا وتوجيه والديه لطريقة التربية الصحيحة تبعا لعمره وظروفه وإمكانياته البدنية والعقلية حتي بعد التحاقه بالمدرسة.. وتحمل المدرسة الراية أيضا فتتابع الطفل وتكون علي اتصال دائم بوالديه ليس فيما يخص الدراسة فحسب، بل التربية أيضا.. أما ما أراه كثيرا من حولي فهي نماذج متكررة لأطفال يؤرقهم الطفل الجديد الذي أصبح أخا لهم وأخذ اهتمام الأم بعيدا عنهم، ويعذبهم التعليم، وتضغط الامتحانات علي أعصابهم، وحتي الانتظام في ممارسة الرياضة يشكل ثقلا علي كاهلهم.. ولما يكبرون لا ينضجون، فلا يستطيعون اختيار نوع الدراسة التي يريدون أن يلتحقوا بها، ولا يعرفون نقاط تميزهم وجوانب ضعفهم، ولا يتخذون قرارا، ولا يتحملون مسئولية.. بل هم مقلدون، تابعون، يتمردون بلا ابتكار، ويصيحون وليس لكلامهم محتوي.. أليست هذه هي ثمرة مفاهيمنا المنقوصة عن التربية؟ هل يحق لنا أن نلومهم؟ وهل يصح أن نسأل لماذا لا تتقدم بلادنا؟