أواصل ما بدأته بالأمس من ملاحظات فجرتها أفكار التغيير الوزاري بعد استقالة وزير النقل محمد منصور.. واليوم أبدأ بمسألة تخصص الوزراء أو المرشحين لمناصب وزارية.. إذ يقتضي الأمر أن نفتح أفق التفكير بالمنطق السياسي الذي يطبق في أعرق الديمقراطيات. قطاعات مختلفة في الإدارة يمكن أن يديرها غير متخصصين فيها.. لا أقول مثلاً إن وزير الصحة لا يكون طبيباً.. وهو عمومًا ليس مرشحًا للتغيير في المرة الحالية.. بل يحظي بثقة في موقعه.. لكن ليس من المنطقي - بغض النظر عن رأيك في أمين أباظة وزير الزراعة - أن يكون وزير هذا القطاع خريجًا في كلية السياسة والاقتصاد.. ولكن كثيرًا من القطاعات تحتاج إلي أصحاب رؤية في الإدارة والتحفيز.. ومفاهيم تتعلق بالمنطق الاستراتيجي للقطاع بدون أن يكونوا متخصصين فيه. ويدفعنا هذا إلي أن نشير إلي أن من واجب الحزب أن يقدم مرشحين للوزارة.. في مختلف القطاعات.. هذا طبيعي باعتباره أقدر علي كشف الطاقات.. وعلي الحكومة ألا تبعد ناظريها عما لديه من طاقات.. مع كامل الاحترام لأن من حق رئيس الوزراء أن يرشح من يراه حتي لو كان من خارج الحزب. لقد تعرضت أمانة السياسات إلي حملة ظالمة حين نشأت.. وقيل إنها ستكون منبع الوزراء.. ويبدو أن الحكومة انتابتها خشية من تلك الحملة.. فلم تستعن بكوادر إضافية من الأمانة وغيرها من تشكيلات الحزب.. باستثناء المجموعة الأولي في وزارة الدكتور نظيف. لكن في الحزب كوادر مختلفة مميزة.. تستحق أن تلقي الحكومة عليها نظرة متمعنة.. بدون حساسية كان يمكن تفهمها من قبل.. وليس من الممكن أن أتفهمها شخصياً الآن.. إذ لماذا يلتحق الناس بالأحزاب إذا لم يكن من بين أهدافهم أن تقودهم إلي مواقع في الإدارة لكي يطبقوا فيها الأفكار التي آمنوا بها.. والسياسات التي ساهموا في صنعها مع الحكومة. وليس هناك ما يمنع علي الإطلاق من أن تكون هناك استعانة بكوادر من مؤسسات الأعمال.. التجربة أثبتت نجاحها في عدد من الحالات.. وأثبتت فشلها في حالات أخري.. وحتي الخشية التي كانت تنتاب البعض من أن يصبح «بيزنس مان» وزيرًا تلاشت.. بل إن بعض الوزراء الذين كانوا رجال أعمال تحولوا إلي أن يكونوا من أوائل المدافعين عن العدالة الاجتماعية.. لأسباب مختلفة.. ومنهم الوزير أحمد المغربي أحد أهم المساهمين في سياسات مكافحة الفقر.. هذا بالتحديد وزير ارتقي أداؤه السياسي بصورة متصاعدة يومًا تلو آخر. إن بعض المستشارين والمساعدين الذين عملوا مع وزراء حاليين أو سابقين يمكن أن يصلحوا من وجهة نظري لتولي مهام كبيرة.. وسيكونون أصحاب بصمة مؤثرة.. وربما كانت مواقعهم في الصفوف التالية تعوقهم عن أن يقوموا بأداء حقيقي ناجح. وفي الحزب كوادر جامعية مخلصة.. ومسيسة.. ومنغمسة في نقاش متواصل مع الإدارة.. وشابة.. ولديها خبرات متراكمة.. وعلي معرفة بتفاصيل القطاعات ربما أكثر مما هو متاح لبعض الوزارات والوزراء.. ولكن الحكومة تولي وجهها شطر جهات أخري لأسباب غير مفهومة. نقطة أخري في هذه الملاحظات.. وهي أن مناسبة مناقشة التغيير تدفع البعض في الحكومة، ولا أقول رئيسها، إلي أن يمضوا في نقاش نحو تفتيت اختصاصات بعض الوزارات.. كأن يقول أحدهم ولماذا لا ننشئ وزارة للشئون الأفريقية.. بعيدًا عن ملف الخارجية.. أو أن تحمل وزيرة التعاون الدولي بملف الشئون الأفريقية.. هذا كلام - عفوًا - لا يخص الحكومة.. فالخارجية من الوزارات السيادية التي للرئيس أن يقرر بنفسه من يعمل فيها.. وبدون ترشيح من أحد. كما أنه لا يمكن تقسيم العمل الدبلوماسي.. ولا يمكن توزيع حقائب الخارجية علي أكثر من واحد.. هذا كلام أقرب إلي السذاجة السياسية.. وبدلا من أن ينشغل البعض بمثل هذا الحديث فإن عليه أن يبذل جهداً إضافياً لكي يعين الخارجية علي مهمتها في أفريقيا وغيرها.. وبهذه المناسبة من حقي أن أتساءل كم وزيرًا سافر إلي الدول الأفريقية خلال السنوات الخمس الأخيرة.. خصوصًا من يقع هذا ضمن اختصاص أعمالهم.. بعضهم لا يسافر إلا إلي أوروبا والولايات المتحدة.. ويبتدع المهمات فقط نحو هذه الجهات. والله الموفق الموقع الإليكتروني: www.abkamal.net البريد الإليكتروني: [email protected]