جاء في قصص الصين القديمة أن ملكًا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه فقال له: امتلك من الأرض كل المساحات التي تستطيع أن تقطعها سيرا علي قدميك.. فرح الرجل وشرع يذرع الأرض مسرعا ومهرولا في جنون.. وسار مسافة طويلة فتعب، وفكر أن يعود للملك ليمنحه المساحة التي قطعها.. ولكنه غيّر رأيه وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد من الأرض.. وسار مسافات أطول وأطول، ثم فكر في أن يعود للملك مكتفيًا بما وصل إليه.. لكنه تردد مرة أخري وقرر مواصلة السير ليحصل علي المزيد والمزيد. ظل الرجل يسير ويسير ولم يعد أبدًا.. فقد ضل طريقه وضاع في الحياة.. ويقال إنه في النهاية وقع صريعا من جراء الإنهاك الشديد.. لم يمتلك شيئًا ولم يشعر بالاكتفاء ولا أحس بالسعادة، لأنه لم يعرف حد الكفاية أو القناعة.. لم يحسب أبدًا إمكانياته وبالتالي لم يعرف متي وأين يتوقف.. إذا كان واعيا بأن له طاقة محددة لن يتجاوزها، ووقتًا معينًا في العمر يمكن أن يستغله الإنسان ليسعد فيه، لكان توقف بعد أن عبر قدرًا معقولاً من الأرض وقبل أن تنفد قواه وينتهي وقته.. مع العلم بأن بعد امتلاك مساحة ما من الأرض سوف لا يكون لزيادة المساحة معني يذكر في إضافة السعادة. وكثيرون منا لا يؤمنون أبدًا بتعبير (النجاح الكافي).. ويعتقدون خطأ أن كلمة (كاف) ضد الطموح.. ويعتقدون أن النجاح هو مواصلة الجري وراء الطموح دون حدود ودون سقف.. ولا يعترفون أن هذا الذي يلاحقونه هو نجاح زائف يفترس عمر الإنسان، فيظل متعطشا للمزيد دون أن يشعر بالارتواء.. وأنه في اللهث وراء طموحه هذا، يفقد سعادته وعمره وصحته وعلاقاته الإنسانية وأجمل لحظات الحياة، وفي النهاية يفقد حياته كلها دون أي استمتاع. قد يعارض البعض قائلين: إن الطموح غير المادي ليس سلبيا.. فالطموح العلمي مثلا هو نوع محمود من الطموح.. وأجيبهم بأن كل الطموح إيجابي ما دام له سقف.. ما دمنا نستطيع أن نقول (كفي) في وقت معين فلا ضير.. أما أن نلاحقه فيملكنا ويملك مصيرنا، فهذا هو الخطأ الأكبر، حتي إذا كان طموحًا علميا. والأسئلة التي يجب أن نطرحها علي أنفسنا هي: نضع حدودًا وسقفا لطموحنا فلا نتحول من طامحين إلي طامعين؟ هل نستطيع أن نقول (لا) في الوقت المناسب؟ هل نقدر علي مقاومة الشهرة والأضواء والثرورة والجاه والسلطان؟ هل نفهم جيدًا إمكانياتنا وقدراتنا ونطمح في نطاقها؟ ومن الأسئلة المهمة جدًا جدًا في رأيي: هل لنا قدرة علي الاختيار والانتقاء من المتاح أمامنا، أم إننا نأخذ كل ما هو متاح؟ ولمعرفة الإجابة نسأل أنفسنا: هل نأكل كل ما هو متاح في ال(open buffet) أم ننتقي ما نقدر فعلا علي تناوله من الطعام؟ إذا كنت تضع في طبقك كل أنواع الأكل مرة واحدة، فاعلم أنك تقع بسهولة في مصيدة الطموح.. واحترس لأن الخروج منها شديد الصعوبة.