لم يعد العنصر "اللقيط" مبعث خجل علي مختلف المستويات. صار يتباهي بحضوره وانطلاقه وتأثيره وتدميره وردود الفعل التي يخلفها اقليميا ودوليا. كان دائما يتواري في المناسبات فاصبح يفرضها ويوسع اطارها ليقحم فيها الجميع وتحديدا أولئك المتحدرين من ابوين شرعيين أو أولئك الذين اعطاهم اللبنانيون شرعية تمثيلهم، فاذا به يمثل عليهم، وامامهم، دور البطولة في مسرحهم المفتوح علي الهواء الطلق... متهاديا، مختالا، منتصب القامة يظهر وينطلق. "لقيط" لكن فعله لا يقدر عليه ابناء الهويات المعروفة. مجهول المصدر والنسب. نبت شيطاني ينمو مثل الفطريات في مناطق جنوب لبنان وتعجز كل تقنيات ورادارات وأجهزة الكشف عن رصده سواء تلك التي في حوزة القوات الدولية او التي يملكها الجيش اللبناني او طائرات "أم كامل" الاسرائيلية. لا تراه عين ولا يلفت نظر أهل المنطقة... لكنه يعمي انظارهم بردود الفعل التي يجلبها عليهم. لا يريد أحد أن يتبني أبوته اقله في الوقت الراهن، لذلك تتبناه اسماء وهمية لتنظيمات وهمية ملحقة ب"القاعدة"، فجسمها "لبيس". واحيانا كثيرة يخشي "اللقيط" أن يصدر بيان تبني اطلاقه قبل أن ينطلق، فهذا الامر حصل خلال تفجيرات العراق في العامين الماضيين، وفي بعض المواجهات الامنية والاغتيالات خارج العراق، وهناك ائمة ورجال دين قتلوا علنا وفي وضح النهار بعدما انتهت المهمة التي كلفوا بها في التجنيد والتعبئة للالتحاق ب"الجهاد" هنا وهناك ودعم "القاعدة"... واتهمت "القاعدة" بقتلهم! هذا "اللقيط" من ذاك الملجأ. يتزود الوقود من الخزان نفسه ويتزود البارود من المخزن نفسه وينقل تحت جنح الظلام بالشاحنات نفسها. ولم يكن "اللقيط" ليتمختر ويتغندر رغم الاثمان المخيفة التي يتحضر لبنان الي دفعها، لو لم تكن السلطة الحالية في لبنان مخلوقا غريبا عجيبا مهجنا مطعما بصيغة لا مثيل لها في الكرة الارضية. فمن جهة هناك مؤسسات سياسية ورموز منتخبة ديمقراطيا، ومن جهة أخري هناك قوة أمر واقع حقيقية علي الارض تريد لهذه المؤسسات ان تكون مجرد واجهة وغطاء لتحركها المحكوم تماما بساعة الضبط الاقليمية. الصفقة كلها تكمن في مدي قدرة الغالبية التي لا تحكم علي التفاهم مع السلطة الحقيقية المرتكزة علي السلاح والصواريخ والبرنامج السياسي والتهديد الامني والتخويف من انهيار الاستقرار والوحدة الوطنية وانفلات الغرائز المذهبية. ما هي حدود التنازلات بين الغالبية والسلطة الفعلية؟ كيف يمكن للمؤسسات ان تغطي عمل المسيطرين علي الارض وتجمله احيانا وتخفف من تبعاته عربيا ودوليا؟ ما هي الصيغة المثلي للتعايش بين دولة لها دورها العام والتزاماتها المحلية والاقليمية والدولية وبين مقاومة لها خصوصياتها والتزاماتها المحلية والاقليمية؟ كيف يمكن التوفيق بين برنامج الدولة وموقعها ونهجها وسيادتها وبين برنامج السلطة الفعلية الحاكمة علي الارض ونهجها وارتباطاتها الخارجية؟ هذه الاسئلة وغيرها هي التي ترسم اجاباتها خريطة طريق لما يسمي، جوازا، الوفاق الداخلي اللبناني وتؤدي الي تكوين سلطة لا تشبهها سلطة أخري في العالم... تمر من تحت عباءتها مختلف أنواع الصواريخ اللقيطة والمجهولة المصدر والنسب. في السابق كانت اسماء التنظيمات الفلسطينية ومقرها دمشق تتسابق لاعلان مسئوليتها عن اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان، بل وصل الامر احيانا الي اعلان تنظيمين المسئولية في وقت واحد. لم تكن الصواريخ "لقيطة" بل لها اكثر من أب وأم، أما الآن ونتيجة الاحتراف المطلوب لدي الاحتكاك بالفرق الاجنبية في ملاعب التسوية، فالأفضل أن تبقي الصواريخ لقيطة لأن الأب يمكن ان يظهر سلطته لا أبوته اذا نضجت التسوية. قبل سبع سنوات "توقع" المسئولون السوريون ظاهرة الصواريخ اللقيطة من جنوب لبنان. كتب اللواء الدكتور بهجت سليمان رئيس الفرع الداخلي في ادارة أمن الدولة وأحد اللاعبين الكبار في فترة ما داخل سورية وخارجها مقالا في صحيفة "السفير" اللبنانية (51/5/3002) ربط فيه بين دعوة أمريكا لانسحاب الجيش السوري من لبنان وبين تحول جنوب لبنان الي ساحة صراع مفتوحة وخلط الاوراق السياسية في لبنان و"تزايد نفوذ الاصوليين" واختلال التوازن الديموغرافي و"ارتفاع الاصوات التي تطالب باعادة صياغة السلطة" وخروج منظمات فلسطينية من سورية الي لبنان من دون ان يكون لها عليها اي نفوذ... ليخلص إلي أن "الحاجة إلي سورية كعنصر توازن ستظل قائمة بل ستصبح اشد". حتي لو انسحبت سورية من لبنان فالقاعدة المستخلصة من "توقعات" بهجت سليمان تفيد بان "القاعدة" (اي "قاعدة") قاعدة علي قلوب اللبنانيين، إلي أن يدرك الغرب اهمية الحاجة الي سورية كعنصر توازن، فيختفي "اللقيط" او ينتقل الي دولة أخري او... ينتحر!