حصول الأديب الإيطالي " كلاوديو ماجريس " 70 عاما ، علي جائزة السلام التي تمنحها الجمعية الألمانية لتجارة الكتب ، له أكثر من معني ودلالة الآن. ماجريس فيلسوف وسياسي (معارض) وكاتب عمود في صحيفة كوريرا ديلاسيرا الإيطالية المعروفة ، يعبر عن مواقفه بجرأة في قضايا المواطنة والأقليات والإندماج في أوروبا. تمنح هذه الجائزة العريقة سنويا منذ عام 1950 للشخصيات التي تخدم " علي نحو بارز تطور الأفكار السلمية " عن طريق نشاطها الثقافي ، وقيمتها 25 ألف يورو . وحسب ما جاء في حيثيات لجنة التحكيم ، فإن ماجريس يتناول المشاكل التي تعترض سبيل التعايش المشترك بين الثقافات المختلفة ، وأن أوروبا التي يؤيدها ويدافع عنها، هي أوروبا التي تحافظ علي تنوعها وتقاليدها التاريخية والثقافية. في خطاب تسلمه الجائزة بمعرض الكتاب الدولي في فرانكفورت ، قال ماجريس : " أن الخوف من التماهي المطلق يمكن تفهمه، لكن الانغلاق علي الذات بدوره خطأ، رغم ايماني بضرورة وجود دولة أوروبية موحدة ". وحذر من : " تنامي تيار عنصري جديد في أوروبا ، ومن حواجز أوروبية مستحدثة ، من شأنها أن تخلف ديمقراطية منزوعة الديمقراطية ، أو قل ديموقراطية شكلية بلا مضمون حقيقي ". وندد صراحة ب " الحواجز اللامرئية " القائمة في المدن الأوروبية الكبري بين السكان الأصليين والمهاجرين. وهاجم سياسة " سيلفيو برلسكوني " رئيس حكومة إيطاليا دون ان يذكر اسمه ، قائلا : " إنني آمل، بوصفي إيطالياً وطنياً، ألا يصير بلدي من جديد طليعيا في منحي سلبي، ذلك أننا نحن من ابتكرنا الفاشية الأوروبية ". ماجريس أيضا ، أكاديمي بارز متخصص في شؤون أوروبا الوسطي ، علاوة علي انه من أهم الباحثين في حقل اللغة والأدب الألماني ، وبحكم عمله كأستاذ في هذا المجال في جامعة " تريست " مسقط رأسه بإيطاليا ، قام بالإشراف علي ترجمة أعمال الكثير من الكتاب الألمان إلي اللغة الإيطالية ومنهم " جوزيف روت " و" آرتور شنيتزله " و" جيورج بوشنر " . لكن يبدو أن حصوله علي جائزة السلام من ألمانيا تحديدا هذا العام ، يحمل رسالة معينة من المثقفين الألمان إلي العالم أجمع وهي : " رفضهم القاطع للأفكار النازية الجديدة " . فالجدل الدائر اليوم حول سياسة الإندماج في ألمانيا ، خاصة الأتراك والعرب والمسلمين ، دفعهم إلي الوقوف بحزم في وجه النعرات الشعوبية والعنصرية ، التي يروج لها أمثال السياسي " تيلو ساراتسين " عضو مجلس إدارة البنك الاتحادي الألماني ووزير مالية ولاية برلين السابق . وساراتسين يردد بلا خجل أو وجل : أفكار الفيلسوف السياسي وعالم القانون الألماني " كارل شميت " ، التي انتشرت علي مدار القرن العشرين كله ، واعتبرت " الآخر " و " المختلف " بشكل عام ، خطرا يجب التخلص منه مهما كلفنا الثمن . وتلك هي الأفكار ( النازية والفاشية ) التي مهدت الطريق لإبادة اليهود في زمن النازي ، وتطل برأسها اليوم من جديد في وجه الأقليات الدينية والعرقية الأخري . إشارة " ماجريس " الذكية إلي أن " الفاشية " هي ابتكار إيطالي محض ، فضلا عن أن " النازية " هي اختراع ألماني بإمتياز ، تلقي الضوء علي العديد من الروابط التاريخية بين البلدين ، كما أنها صرخة ضمير حي من ضياع المستقبل حين يتحكم الماضي فيه . فقد روي عن " موسيليني " أنه كان يمسك بيده شمسية في إيطاليا ، رغم أن الجو كان صحوا ، وهو ما أثار فضول أحد الصحافيين ، ليسأله ؟ .. وأجاب : لأن ( صديقي ) " هتلر " يمسك بالشمسية الآن في ألمانيا بسبب غزارة المطر ! بقي أن تعرف عزيزي القارئ أن كلاوديو ماجريس نال أيضا جائزة " إيرازموس " عام 2001 في هولندا ، وجائزة " أمير أستورياس " في إسبانيا عام 2004، فضلا عن "جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي" عام 2005 ، وجائزة " والتر هالشتاين " لعام 2008 تقديرا لجهوده في سبيل الوحدة الأوربية ، كما تردد اسمه مرارا في قائمة الأوفر حظاً لنيل جائزة نوبل للآداب.