احتار المراقبون الذين يتابعون مباحثات فيينا الخاصة بتخصيب اليورانيوم الإيراني خارج إيران في تفسير الموقف الإيراني المفاجئ الرافض لاشتراك فرنسا في هذه المفاوضات، والرافض أيضا في مشاركتها في عملية تخصيب اليورانيوم الإيراني. البعض علل ذلك بضيق الإيرانيين من الموقف المتشدد الذي انتهجته فرنسا مؤخرا تجاه الملف النووي الإيراني، والذي اظهرته تصريحات القادة الفرنسيين في الأسابيع الأخيرة، خاصة تلك التصريحات التي تهدد إيران بمزيد من العقوبات القاسية إذا لم تنصع وتتنازل خلال مفاوضاتها مع مجموعة الست، غير أن باريس لم تكن وحدها التي هددت الإيرانيين بمزيد من العقوبات.. واشنطن لم تتوقف عن ذلك أيضاً، ومع ذلك لم يطلب الإيرانيون استبعاد الأمريكيين من مباحثات جنيف التي تتم تحت رعاية المنظمة الدولية للطاقة الذرية. وربما ذلك هو الذي دفع بعض المراقبين إلي تفسير الموقف الإيراني المفاجئ بأن طهران لا يهمها المباحثات مع أحد سوي مع الولاياتالمتحدة وترغب في تفاوض منفرد معها، غير أن ذلك أيضاً قد لا يكون تفسيرا كافيا لموقف إيران المفاجئ الرافض للمشاركة الفرنسية في مباحثات فيينا، لأن الإيرانيين يتأهبون لجولة مفاوضات جديدة مع ممثلي مجموعة الدول الست في نهاية هذا الشهر حول الملف النووي الإيراني برمته وليس مجرد موضوع تخصيب اليورانيوم الإيراني في الخارج. وثمة تفسير ثالث آخر قدمه المراقبون الذين يتابعون مباحثات فيينا عن قرب للموقف الإيراني المفاجئ ويقول هذا التفسير إن إيران لجأت إلي ألاعيبها القديمة في تعطيل المباحثات التي كان يفترض ألا تتجاوز يومين فقط، نظرا لأن ثمة اتفاقاً علي مبدأ التخصيب في الخارج.. وهناك أيضا عرض مقدم من الوكالة الدولية لطهران يقضي بمشاركة كل من روسياوفرنسا في عملية التخصيب، روسيا تقوم بإعادة تخصيب اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب لرفعه إلي درجة تقترب من العشرين في المائة، وفرنسا تحوله إلي وقود نووي في شكل سبائك لما تمتلكه من تكنولوجيا في هذا الصدد ليستخدمه الإيرانيون في مفاعل طهران النووي لإنتاج النظائر الطبية والذي سينقذ وقوده النووي في غضون عام. وإذا كان هذا التفسير لا يستبعده كثيرون في الغرب لتجاربهم السابقة في المباحثات مع الإيرانيين، إلا أنه ربما لا يكون هو السبب الرئيسي للموقف الإيراني المفاجئ في مباحثات فيينا الرافض لمجرد مشاركة فرنسا في هذه المباحثات والرافض لمشاركتها في عملية إعادة تخصيب اليورانيوم الإيراني. والأغلب أن الإيرانيين اتخذوا هذا الموقف المفاجئ لأنهم يرفضون الشروط التي وضعها الفرنسيون للمشاركة في هذه العملية، خاصة ذلك الشرط الذي يلزم إيران بنقل أكثر من ثلاثة أرباع ما جمعته إيران حتي الآن من اليورانيوم منخفض التخصيب إلي الخارج لإعادة تخصيبه، فرنسا اشترطت أن يتم نقل نحو 1200 كجم من اليورانيوم الإيراني المنخفض التخصيب، بينما الإيرانيون لا يريدون سوي نقل أقل من نصف هذه الكمية، وتحديدا نحو 500 كجم فقط من نحو 1500 كجم من اليورانيوم المنخفض التخصيب ليحتفظوا بالباقي لديهم وتحت أيديهم، وهذا ما يفتح الباب أمام تجدد الشكوك في نوايا الإيرانيين في الاستمرار في تجارب تخصيب اليورانيوم لدرجة أكبر من الدرجة التي وصلوا إليها في التخصيب حاليا، خاصة أن التقديرات الغربية تري أن في مقدور إيران جمع كمية أخري لا تقل عن 1200 كجم من اليورانيوم المنخفض التخصيب خلال ستة عشر شهرا أخري. والموقف الذي اتخذته إيران تجاه فرنسا في مباحثات فيينا قد يؤدي إلي قبول الفرنسيين بالطلب الإيراني إذا ما عدل الإيرانيون عن هذا الموقف وبالتالي تكون طهران قد نجحت في تفادي الشروط الفرنسية للمشاركة في عملية إعادة التخصيب، خاصة أن واشنطن لا تريد أن تنفرد روسيا وحدها في هذه العملية وهذا هو جوهر سياسة البازار التي برع فيها الساسة الإيرانيون، إنها المساومة حتي آخر نفس. أما إذا أصبحت الأنباء التي تقول إن اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب به شوائب ويمثل خطرا علي أجهزة الطرد التي تمتلكها، وأنها مضطرة لإعادة تخصيبه في الخارج، فهذا معناه أن إيران خدعت الجميع في جنيف وفيينا وموقفها من فرنسا مجرد قنبلة دخان للتغطية علي هذه الخدعة.