أرجو من صاحبي الناصري الكاتب حسنين كروم حين يقتطع من مقالاتي ضمن مقالته الدورية في جريدة القدس العربي، أن يثق في أنّ حدسا مشتركا يجمعنا هو نقطة البداية الوحيدة الممكنة. أنا وهو ننتمي إلي تجربة مصرية انسانية، ربّما تبدأ عنده مع عبد الناصر وهيكل وقد هام غراما بهما، يشيد فوق أيامهما صرح معرفته الحصين .بينما أنا الذي يتّهمني بأنّني لاهمّ لي إلاّ الهجوم علي عبد الناصر وهيكل أري أنّ علينا أن نضع هذه الفترة تحت طائلة نقد لايتهاون ولاينافق أو يماليء، يتخلّص من عبادة الفرد ولا يستسهل التبرير له ! لعلّنا نتّفق أنّ أكثر من نصف قرن من الحياة المصرية هو أغني بكثير من تفاصيل الأحداث التي يسلّينا بها هيكل علي قناة الجزيرة أو ذلك الحزن الذي تبعثه زبالة الشوارع، أو يعذّبنا به تعطيل الموظف لمصالح الناس عن عمد،أواستهتار الطبيب بأرواح المرضي في المستشفيات العامة أو الخاصّة أيضا. و إهمال المدرس في الفصل والدروس الخصوصية توشك انفلونزا الخنازير أن تكون منقذنا من استغلال معلّمينا لتتلقّف أولادنا رحمة برامج التعليم علي التليفزيون أو تتلقّف دخول الأسر المسكينة جيوب المدرسّين الجشعة. ولعلّني اخترت مايكبس علي أنفاس المواطنين صبيحة كلّ يوم يكاد ينسيهم، مايبثّه أبطال الكلام علي الفضائيات والقنوات وكل ّواحد يغير البدلة والكرافات والقميص أو الفستان، لابد أن يتأنّقوا ويبدون أبّهتهم مع كلّ حلقة يتحدّث فيها الواحد منهم والواحدة عن الفساد الذي يستشري ويستفحل في كل مكان! وقد عزّ علي المصريين المأكل والمشرب والملبس والعمل والماء والهواء النظيف! وانتشرت بينهم الدعوات السلفية يدخلون بين فترة وأخري في هيجان العراك حول نقاب المرأة وحجابها، وتفشّي التعصّب وأصبحت مصر المتسامحة المتحضّرة في حاجة إلي تقنين كوتة للمرأة والإخوة المسيحيين لكي يتمكّنوا من تمثيلهم في البرلمان، وظهر اللامعقول والشذوذ الصحفي يجد نشاطه في النشر حول الشذوذ الجنسي. مجرد ان الانسان يفكر ويقضي وقته وجهده في التحليل وايجاد حلول معينه للمحيط الذي يعيش فيه وان كانت لاتعجب الآخرين، فالامر جدير بالاحترام والتقدير ..شكرا لكل من اعطي وقته لمصر وشعبها.. والمقصود هنا هو الحرّية العقلانية للفرد والمصالح العقلانية لأغلبية الشعب والمجتمع ، والبعض الذي يتحدّث في شغف لامتداح أشخاص مصريين من أمثال فاروق الباز أو أحمد زويل أو البرادعي . " مقدّم الطبعة الأولي هري المشاهدين عن البرادعي وبياناته " وكأنّ المسألة هي في استبدال فرد وليست تذويب وظيفة الدولة اجتماعيا و آه عندماتكون هذه الدولة هي الدولة المصرية ، أقدم وأعرق وأعتي دولة في العالم احترافا للحكم !غرست في وجدان الشعب المصري وقد صار أكثر احترافا من دولته، الطريقة الوحيدة المتاحة له، بعد أن توصد في وجهه كل السبل المشروعة لاستخدام التناوب الاجتماعي للحكم العزوف والابتعاد والنأي عن استفتاءات مدبّرة نتائجها سلفا أو انتخابات مزمع أن تكون غير نزيهة وفزوّرة الخمسين بالمائة عمّال وفلاّحين ! في حفل استلامه لجائزة نوبل، قال الدكتور أحمد زويل: لوكانت هناك جائزة نوبل في العلوم والآداب من قديم الزمان، لاستحقّها المصريون علي مرّ الأحقاب ! وأنا اعتبر العبارة غير شوفينيه ، إذا أضفنا إليها شهادة برستيد بأنّ الشعب المصري هو مهد الحضارة وفجر الضمير، ومنبع الأديان والعمران والفنون والآداب والأخلاق الذي نهلت منه الدنيا كلّها. وإذا كان في مقدورنا أن نتخللّي عن سذاجتنا وسطحيتنا في توظيف دور رجالنا ونسائنا المصريين الذين ظهروا علي العالم في عصرنا الحديث وهم لعلمكم بالمئات، فمن أولي بزويل الذي اكتشف الفيمتو ثانية ونفذ إلي حاضر التفاعلات داخل الذرّات، لنتعلّم منه وننقل عنه النفاذ إلي نبض الشارع ؟ تبدو المصطلحات الأكثر دقّة في توصيف حالتنا الراهنة، أنّنا في بوتقة انصهار، الشعب الذي لايتأبّي عن حلّ مشاكله بإقامة العشوائيات ومشاركة الأموات أحواش دفنهم، الذي يشرب ماء مختلطا بالمجاري، ويقال أنّ خضرواته وفواكهه وحبوبه مسرطنة، وعاصمة بلاده تختنق بالبشر والسحابة السوداء،ومع ذلك فهو لم يقدم علي الانتحار بل يبدو حبّه للحياة مؤكّدا في ارتفاع معدّل زيادة السكّان ليصل إلي 80مليونًا! النظام وحكوماته المتعاقبة، الرأسماليون الجدد وقد جرّبنابعضهم كوزراء ومستثمرين ومقترضين من مدّخرات الغلابة من البنوك، وظهر من بينهم أيضا، المستغلّون والمخرّبون في السياسة والاقتصاد، ومن يسعي لأن يضع الثقافة والدين والإعلام في عروة جاكتّته.. الأحزاب والجمعيات الأهلية وجماعة الإخوان الزئبقيّة.. التوريث و الفصل بين السلطات،مواثيق الأداء المهني، الحركات والاعتصامات والمظاهرات الخ هل ستفصل النيران شوائبنا؟ أم تتحوّل البوتقة إلي حقل ألغام؟ للمتفائلين معرفتهم وللمتشائمين معرفتهم، لكنّ الجميع عليهم أن يدركوا أنّ التحمّل والإخلاص والإبداع صارت مهام أخلاقية .