منذ 75 عاماً نجحت الدائرة السياسية للوكالة اليهودية في اختراق عدد من الصحف السورية واللبنانية بل ونشر مقالات وتحقيقات مدسوسة في هذه الصحف نظير دفع أموال لأصحاب هذه الصحف!! قام بهذه المهمة الياهو ساسون والذي كان في نفس الوقت أحد كبار رجال جهاز الاستخبارات التابع للوكالة اليهودية! تفاصيل ما جري ظلت محجوبة عن القارئ العربي وظلت نائمة في أدراج الأرشيف الصهيوني حتي كشف عنها مؤخراً الباحث محمود محارب في دراسته المهمة المقالات المدسوسة في الصحف اللبنانية والسورية 1936-1939 والتي نشرتها له مجلة الدراسات الفلسطينية في عددها الأخير. وكان الياهو ساسون حريصا كل الحرص علي كتابة تقارير ورسائل يبعث بها إلي موشي شاريت الذي كان يتولي رئاسة الوكالة اليهودية منذ عام 1935 وحتي عام 1948 بعد أن أصبح رئيسا للوزراء! في 15 ديسمبر 1937 كتب الياهو ساسون لشاريت يخبره إنه نشر ثلاث مقالات مدسوسة في الصحف اللبنانية صوت الأحرار، بيروت، النهضة وأكد ساسون في تقريره وجود عدة صحف في سوريا ولبنان مستعدة لأن تنشر المواد التي نزودها بها وإنه يجب عدم تفويت هذه الفرصة وأن نشر هذه المقالات هو أفضل الطرق للحرب ضد الإرهاب ولإظهار فشل قادته واهانتهم أمام العالمين الشرقي والغربي ولذلك يتوجب عدم التوقف الآن عن نشر هذه المقالات كي لا تخسر الوكالة اليهودية الصحف التي اخترقتها وكي لا تسمح للرأي العام بالانجرار وراء الفلسطينيين. وذكر ساسون أيضا أن ذلك لن يكلفنا كثيراً فأنا لا أدفع أكثر من جنيهين فلسطينيين في مقابل نشر كل مقال وهناك صحف تكتفي بأقل من ذلك بجنيه ونصف جنيه فلسطيني أو بجنيه فلسطيني فقط في مقابل المقال. لقد كان مضمون هذه المقالات الصهيونية المدسوسة هو بالضبط: 1- مهاجمة السياسة السلبية التي اتخذها القادة الفلسطينيون خلال 17 سنة وإغلاق الطريق أمام السياسة الإيجابية! 2- وصف العرب الذين يقومون بأعمال عنف بأنهم أشخاص فقدوا وعيهم وعقولهم وكذلك فقدوا التمييز بين الصالح والطالح وشن هجوم شديد علي القادة الفلسطينيين. وكان أخطر ما جاء في تقرير الياهو ساسون هو قوله بأنه منذ وصوله إلي بيروت وحتي الآن نشر 15 مقالاً كما نشر أثناء وجوده في بيروتودمشق لمدة أحد عشر يوماً في 28 ديسمبر نشر 38 مقالا مدسوساً في 11 صحيفة بثمن معدله 1.75 جنيه فلسطيني للمقال الواحد. وبعد وصول الياهو ساسون إلي القدس التقي موشي شاريت وقد أبلغه بأمرين علي درجة كبيرة من الأهمية والخطورة أيضا وهما: أولاً: أن ميزانية الدائرة السياسية للوكالة اليهودية لا تسمح باستمرار نشر المقالات في الصحف السورية واللبنانية بوتيرة مرتفعة! ثانياً: أن نشر 28 مقالا خلال أحد عشر يوماً هو وتيرة عالية ولابد من أن يثير الشكوك ويقود إلي كشف المقالات المدسوسة وبناء علي ذلك قرر شاريت الموافقة علي نشر مقالين فقط في الأسبوع في الصحف اللبنانية والسورية. امتعض ساسون مما قاله شاريت ولم يستسلم وإنما أرسل إليه رسالة مطولة شرح فيها الأسباب المهمة التي توجب استمرار نشر المقالات في الصحف السورية واللبنانية بوتيرة عالية وليس بمقالين في الأسبوع. وأورد الياهو ساسون العوامل والأسباب التي تدعم وجهة نظره ومنها: أولاً: أن المقالات تعالج موضوعات متنوعة ومهمة ولم تحصر ذاتها في معالجة موضوع واحد. ثانياً: لا يمكن للقارئ أن يدرك أو يشك في أن هذه المقالات مشبوهة أو مدسوسة من جانب يهود لأن قسماً منها نشر علي شكل تقارير كأنها من مراسلي الصحف في فلسطين وقسم آخر تم توقيعه بأسماء عربية مستعارة وكتبت كأنها تحرص علي مصالح العرب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية! ثالثاً: لو كان يصدر في لبنان وسورية ثلاث صحف أو أربع فقط لكان من الممكن الاكتفاء بمقالين في الأسبوع واحد في بيروت وآخر في دمشق لكن تصدر في كليهما 27 صحيفة يومية باللغة العربية 18 في بيروت و9 في دمشق وكل صحيفة لها قراؤها وجمهورها!! وفي هذه الحالة لن يكون هناك تأثير لمقالين اثنين! رابعاً:لو كان الهدف من نشر المقالات التصدي للدعاية الأجنبية فقط لتم الاكتفاء بمقالين لكن هدفنا لا ينحصر في معالجة موضوع واحد وإنما في كثير من الموضوعات وجميعها جدي ومهم ومستعجل: الإرهاب ودعم الدول العربية له.. تدخل البلاد العربية في القضية الفلسطينية.. التقسيم.. التفاهم المتبادل.. خامساً: أن نشر مقالين اثنين في الأسبوع واحد في دمشق وآخر في بيروت من شأنه أن يكشفهما ويثير الشكوك فيهما وهذا ليس من مصلحة الوكالة اليهودية. وفي ختام رسالته طلب ساسون من شاريت إعادة النظر في قراره!! وبالفعل تخلي شاريت عن معارضته السابقة بل، وافق علي رؤية ساسون بأن تأثير هذه المقالات في النخب والرأي العام في سوريا ولبنان لن يظهر علي الفور وإنما بعد سنة أو علي الأقل بعد نصف سنة شرط أن تستمر عملية نشر المقالات بثبات وانتظام وضرورة رصد ستين جنيهاً فلسطينيا في الشهر لدفعها إلي الصحف في مقابل نشر هذه المقالات سبع صحف، ثلاث سورية وهي فتي العرب والإنشاء والأيام وأربع لبنانية هي صوت الأحرار وبيروت ولسان الحال والنهار. ثم حدث ما هو أخطر وأهم من كل ما جري!!