انتقد د. صلاح قنصوة أستاذ الفلسفة باكاديمية الفنون سيطرة الجماعات الدينية علي المناخ السياسي في مصر وعدد من دول المنطقة قائلا ان المتحدثين باسم الدين هم سبب الكوارث في المجتمع مشيرا الي انهم يعتمدون علي دغدغة مشاعر البسطاء الدينية ويستغلون حالة نقص الوعي العام التي يعانيها المجتمع في الانتشار وبسط نفوذهم، منتقدا في الوقت ذاته استدراج هذه الجماعات الاصولية للدولة للتنافس معها علي من يمثل صحيح الإسلام مما غيب كثيرا من قيم الدولة المدنية عن حياتنا الحزبية الحالية. وتحدث قنصوة عن الخوف الذي يسيطر علي العلمانيين من بطش الجماعات الدينية مستشهدا بما يحدث في قطاع غزة علي يد حركة حماس الفلسطينية منتقدا تحول المجتمع الي حالة من التشدد جعلت ما تقوله هذه الجماعات بضاعة رائجة رغم كونها لا ترقي الي أن تكون برامج سياسية يمكن النقاش حولها، وإلي تفاصيل الحوار: كيف تفسر تزايد نفوذ التيارات الدينية سياسيا في كثير من دول المنطقة؟ - مشكلة التيارات الإسلامية تكمن في أنها تري نفسها الأصلح لإدارة المجتمع من جميع النواحي علي اعتبار أنهم يملكون الحقيقة والهداية وحدهم وانتشار هذه التيارات واتساع نفوذها مشروط بجهل المواطنين لأنهم يعملون علي دغدغة مشاعر البسطاء، ومرتبط أيضا بغياب الممارسة الصحيحة للسياسة الحقيقية، تزداد قوتهم كلما ضعفت قيم المواطنة والدليل أن نفوذهم كان محدودا في الفترات التاريخية شابة الديمقراطية. وما خطورة وضعهم الحالي علي الحياة السياسية في ظل رفضهم تأسيس حزب سياسي؟ - هم يرفضون تأسيس حزب من أيام حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان وهذا سبب الكوارث التي تعانيها الحياة السياسية المصرية لان معني تأسيس حزب، تقديم برنامج معين للمناقشة بمقاييس الديمقراطية. هذا إذا كانوا يقبلون الحوار أسلوبا؟ - للأسف هم لا يحترمون الحوار فالأمور عندهم أبيض أو أسود، إما مع الله أو ضده ويضيف إلي قوتهم المجتمع الذي لا يؤمن بالأساليب الديمقراطية والليبرالية، خلاف ذلك ستنكشف لعبتهم. ولماذا يرفضون تأسيس حزب في رأيك؟ - رغبة في الاحتفاظ بمكانة خاصة مقدسة كما أنهم يتغلغلون في الشارع بسهولة عن طريق الخدمات المباشرة مثل المستوصفات وتوزيع البطاطين وما إلي ذلك . قلت إن وجودهم هكذا سبب الكوارث فكيف يمكن دمجهم في المجتمع وتقليل حجم الخسائر؟ - المسألة تحتاج ترتيبات كثيرة وتغييرات عميقة وشديدة الاتساع في المجتمع. مثل؟ - تهيئة مناخ لا يسمح بتعاظم تلك التيارات عن طريق خلق ديمقراطية حقيقية، مناقشة جميع الأفكار في جو ديمقراطي ستظهر السياسيين الحقيقيين، فترة ما بعد دستور 1923 اعتبرها نموذجا لذلك لولا أن الديمقراطية خلالها كانت منقوصة فمصر شهدت حينها أول برلمان وحكومة شعبية لان الوفد الذي كان يمثل الأغلبية لم يحكم سوي 6 سنوات من 30 سنة ..في تلك الفترة كان دور التيارات الدينية ضعيفا. أين دور المثقفين في استعادة هذا المناخ الديمقراطي؟ - فقدناه أصلا لعدم وجود مساحة للتأثير. وما الأسباب؟ - انتهي إنتاج المثقفين منذ قيام ثورة 1952 لأسباب تتعلق بمنع أي رأي آخر. تلك الفترة انتهت؟ - من قال إنها انتهت.. هل تغيير النظام. الحياة السياسية الآن أصبحت أكثر انفتاحا؟ - مقاطعا أي انفتاح ؟ هل تغير النظام السياسي؟.. في النهاية ليس لدينا مثقفون بالمعني الصحيح، فكلمة مثقف ترجمت خطأ قديما فمعناها الأصلي يشير إلي دور الشخص الذي وليس صفته، بمعني انه الشخص يجيد القراءة والكتابة ويقول رايا يفهمه البعض ويقتنع به فهو مثقف إذن المثقف يكون كذلك عندما يكون خارج السلطة حتي اذا كسب حزبه هنا لا يصبح مثقفا، وهو ضمانة للحكم السليم ويمثل جزءًا من السلطة وسبب عدم وجود المثقفين هو النظام السياسي. كيف وأنت الآن تتكلم وتشارك في الندوات والكل يقول ما يريد عبر الفضائيات؟ - ليس لدي دور هل ممكن أنا أتكلم عن برنامج معين ويجري تنفيذه؟ أليس هذا دور أحزاب المعارضة؟ - الاحزاب لدينا مجرد ديكور نحن نضحك علي بعض لا أكثر.. احزابنا تنفق عليها الحكومة وتوفر لها المقر وتغطي نفقاتها.. هذا امر هزلي ..نحن في مرحلة كاريكاتورية كوميدية ليست ذات مغزي أو رسالة. هل نتجه الآن للدولة الدينية أكثر؟ - اتجاهنا للدولة الدينية نتيجة طبيعية لغياب الديمقراطية، ولابد ان نسير في هذا الطريق لانه السبيل الوحيد لتلافي خطورة التيارات الدينية خاصة في ظل غياب منافسة حقيقية بين الأحزاب.. الدولة لابد تنتبه لهذا.. السادات اخطأ عندما أخرجهم فاغتالوه الدولة الآن تنافس التيارات الدينية علي كونها تتبع صحيح الإسلام وهذا يوقع الدولة في احضانهم لتصبح دولة دينية. وما مدي خطورة توغل التيارات الدينية في المنظومة التعليمية؟ - هذا التوغل شديد الخطورة فقد نزعت من الطلاب إحساسهم بالوطنية هو الآن يقول طظ في مصر وكل شيء يقاس عنده بمعايير دينية محضة.. أنا لست ضد الدين انما ان يقولوا انهم لا يمانعون في ان يصبح ماليزي خليفة لنا فهو أمر لا يمكن السكوت عليه وهل هذه مسئولية الدولة؟ - نعم الدولة مسئولة لأنها دخلت في منافسة مع الأصوليين علي من يمثل صحيح الاسلام.. والأزهر الآن به أفكار اشد رجعية من التيارات الدينية ولماذا نذهب بعيدا، لنري ما يكتب الأزهريون في الجرائد وما يقولون في التليفزيون. يقولون الأزهر أكثر تسامحا من الأفكار الوهابية وغيرها لكني أقول إن الأزهر به وهابيون وغيرهم وغالبية خريجيه لا علاقة لهم بالواقع حتي أني أستطيع أن أقول أغلقوا الأزهر أفضل. ما البديل؟ - الأزهر يدخله الطفل فلا يدرس غير مناهج تعتمد علي الحفظ وغالبية المقررات لا تريد ان تفارق القرن الثاني أو الثالث الهجري، ثم يتخرج فيه وفجأة تطلب منه الفتوي في كل شيء في الحياة المعاصرة.. كيف وهو لم يع لم يدرس ولايفهم تعقيدات الواقع الاجتماعي والسياسي الذي نحياه وما الحل من وجهة نظرك؟ - الحل ان يكون التعليم الديني عقب العمل في شكل يشبه الدراسات العليا والغاء الدراسة من الصغر حتي لا يكون الدارس مجرد شخص يتكسب مما حفظه، لا ينبغي ان يكون عندنا رجال دين مستنيرون أو غير مستنيرين لا كهانة في الإسلام. لماذا غابت نماذج مثل محمد عبده والطهطاوي؟ - هذه نماذج لمفكرين عظام فهم لم يتحدثوا عن الدين بهذا الشكل.. هؤلاء الان بضاعة غير مطلوبة بل بالعكس يتهم من يحذو حذوهم في دينه لو لم يقل ما هو مكرر ولكم في جمال البنا عبر. وهل أصبحت التيارات الدينية اقوي من المثقفين؟ - للاسف نعم فالمغامر هو من يعارض هذه التيارات او يختلف معها. هل كون المجتمع أصبح أكثر محافظة ساعد علي رواج هذه البضاعة؟ - نعم ففي البداية لم يكن احد من الإخوان ينجح في الانتخابات لا بتزوير او بغيره انما الآن، الناس تريدهم فهم يتحدثون عن الدين، ومناهج التعليم تقوم علي التلقين ومع غياب الحوار ضمرت تلك الغدة التي افكر بها. لماذا اصبحت العلمانية مصطلحا سيئ السمعة؟ - علماني هو اصلا اصطلاح كنسي فهمه الناس خطأ علي ان الشخص العلماني لا يأبه بالدين وهذا جهل، فمصطفي النحاس قال نحن دولة علمانية، عندما اراد شيخ الأزهر يلبس الملك سيف جدة في التتويج، فكلمة علماني تميز بين الكهنة والشعب فعلماني معناها مدني ليس لها علاقة برفض الدين. أين أنصار التيار العلماني الآن؟ ولماذا خفت صوتهم؟ - التيار العلماني موجود، ولكن الجهل زاد نحن في طريقنا الي المستنقع ونتمني أن تظل رءوسنا فوق مستواه هل يخشي العلمانيون من الإخوان؟ - طبعا انظري ماذا يفعلون في غزة، الجميع الان يخشي القتل، حتي الاحساس بالانتماء للوطن أصبح غير موجود.