زمان كان لكل مخرج شارع باسمه علي حد تعبير المخرج الراحل حسن الإمام وكان يقصد بهذا التعبير أن لكل مخرج اتجاهاً وأسلوباً وتفوقاً في نوع من الأفلام وكان ذلك أمرا معروفاً بين المنتجين لدرجة أنه عندما انتج يوسف شاهين من خلال شركته فيلم السفاحات لم يجد أفضل من صلاح أبوسيف لإخراجه بسبب طبيعة الموضوع الواقعي، أما في سينما اليوم، وبعد سنوات منذ ثورة السينما، فإن من الصعب أن تجد مخرجاً لديه بصمة مميزة، أو تستطيع التعرف علي أسلوبه من لقطات معدودة. لكن خريطة المخرجين المبدعين خلف الكاميرا ليست قاتمة الصورة، فالمخرجون الذين يقدمون أفلاماً للمرة الأولي هذا العام مثل إبراهيم البطوط في عين شمس وأحمد علاء الديب في بدل فاقد أكثر اتقاناً وبراعة في استخدام أدواتهم بصورة مبهرة يساعدهم في ذلك التقدم المذهل في الكاميرات وفي المؤثرات البصرية، كما أنهم أكثر انفتاحاً علي تجارب السينما العالمية، البطوط مثلا كان أكثر حرية في السرد، وأحمد علاء، كان واعياً طوال الوقت بأنه يجب أن يقدم عملاص تجارياً متقن الصنع يشد المتفرج حتي اللقطة الأخيرة، وهناك كثيرون مثل البطوط وعلاء يمكنهم الاضافة سواء للسينما الفنية أو للسينما التجارية جيدة الصنع. أكثر المخرجين انتظاماً في تقديم أعماله بمعدل فيلم كل عام هو بالتأكيد خالد يوسف، وبعد أن قدم أعمالا متنوعة بين الكوميديا السياسية جواز بقرار جمهوري والميلود دراما الإنسانية أنت عمري، أصبح مهموماً بتقديم أفكاره السياسية عما يحدث في مصر الآن خاصة في حين ميسرة ودكان شحاتة وتظل مشكلة خالد الاساسية في أنه يسقط في المباشرة أحيانا، وفي أحيان أخري تبدو الفكرة فضفاضة مقارنة بالبناء الذي تقدم من خلاله، ولكن تعبير خالد عن رأيه وما يؤمن به ليس عيباً علي الاطلاق بل لأنه من أسباب تميز أعماله التي يمكن أن يتحقق من خلالها مستقبلاً توازن أفضل بين الفكر والفن، وبين النظرة التجارية والرؤية الفنية الخاصة. هناك أيضا أسماء تظهر ثم تغيب مثل محمد خان الذي قدم عملاً رائعا هو في شقة مصر الجديدة وشريف عرفة الذي وصل إلي صياغة شديدة النضج تجمع بين الفكر والإطار الجماهيري في فيلم الجزيرة الذي رشح ممثلا لمصر في مسابقة الاوسكار وحقق في نفس الوقت إيرادات ضخمة، وبعد طوال اختفاء ظهر مجدي أحمد علي بفيلم جيد ومتميز عرض في بداية العام هو خلطة فوزية كما ينتظر أنه تمتلئ الساحة بأفلام جديدة من اخراج أسامة فوزي وداود عبدالسيد ومحمد أمين. فيما يتعلق بالسينما الكوميدية السائدة يمكن أن تجد أسماء لمخرجين علي درجة عالية من الحرفة والوعي بطبيعة النوع الذي يقدمون أفلامهم من خلاله، ولدينا في هذا المجال اسمان مهمان: أحمد نادر جلال في تجربتيه المهمتين مع أحمد حلمي في فيلمي كده رضا وآسف علي الازعاج ووائل إحسان في تجاربه أيضا مع حلمي في أفلام مثل ظرف طارق ومطب صناعي وإن كانت صورة وائل إحسان كمخرج متميز للأفلام الكوميدية اهتزت بشدة بعد تجربتين ساذجتين وسيئتين مع هنيدي في فيلم رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة ومع عادل إمام في فيلم بوبوس ويضاف إلي هذين المخرجين محمد أمين بفيلمين فيلم ثقافي وليلة سقوط بغداد وفي انتظار ما سيضيفه في فيلمه الجديد بنتين من مصر. استطيع أن أحدثك أيضا في خريطة المخرجين رغم غياب بعضهم عن الساحة عن تجارب مخرج مثل محمد أبوسيف خاصة في أفلام مثل النعامة والطاووس وخللي الدماغ صاحي ولكل منهما نصيبه من الاقتراب أو الابتعاد عن التكامل الفني، ولو اعتمد علي سيناريوهات أقوي تواكب أفكاره الجريئة سيكون له بصمة لا تنسي في مسيرة السينما المصرية، وهناك أيضا تجارب خالد الحجر المتباعدة حيث قدم أحد أجمل أفلام الكوميديا الرومانسية في فيلم حب البنات وقدم أيضا أحد أفضل أفلام الكوميديا الموسيقية وهو فيلم مافيش غير كده ولكنه سرعان ما خذلنا بفيلم متواضع هو قبلات مسروقة، أما إيهاب لمعي فتبدو مشكلته الواضحة في عدم العناية بالسيناريو رغم أنه يمتلك عينا مختلفة وجرأة في تناول أفكار غير تقليدية كما ظهر ذلك في علاقات خاصة وعلي الهوا. لا تستطيع كذلك تجاهل تجارب المخرجات الموهوبات مثل ساندرا التي رسخت أقدامها في تقديم أفلام تجارية متماسكة مثل ملاكي إسكندرية ومسجون ترانزيت والرائعة هالة خليل التي تمتلك علي ما يبدو مشروعها الخاص عن نماذج نسائية لا تنسي كما في أحلي الأوقات وقص ولذق والمتميزة كاملة أبوذكري التي تستطيع تقديم الكثير والمختلف في السينما التجارية والسينما الفنية أيضا، وقد شاهدنا لها فيلمين من أفضل الافلام المصرية خلال السنوات الأخيرة هما ملك وكتابة وواحد صفر والمخرجات الثلاث تجاوزن في رأيي تجارب المخرجة إيناس الدغيدي شكلاً وموضوعاً.. ودون أدني مبالغة. الجميل حقاً أن هناك اسماء موهوبة سيكون لها شأن خطير مستقبلا في حال عودتها أو استمرارها بنفس المستوي مثل هاني خليفة مخرج سهر الليالي ومروان حامد الذي أكد جدارته بفيلم إبراهيم الابيض بعد أن قدم نفسه للساحة بفيلم كبير هو عمارة يعقوبيان ولدينا أيضا سعد هنداوي الذي يحاول أن يقدم سينما تجارية جيدة الصنع بلمسات فنية خاصة كما في حالة حب وألوان السما السبعة والسفاح وعاطف حتاتة صاحب الفيلم المؤثر الأبواب المغلقة الذي أرهص بعودة عالم مخرجي أفلام الواقعية الجديدة في الثمانينيات والتسعينيات. وتبقي أمنية متكررة يمكن أن تغير خريطة المخرجين وهي اتاحة المنتجين الفرصة أمام مخرجي السينما القصيرة لتقديم أعمالهم الروائية الطويلة في الصالات كما حدث مع إبراهيم البطوط وأسماء مثل شريف البنداري وأسامة أبوالعطا ومحمود سليمان قادرة علي تقديم الأفضل لو اجتهدوا في تجارب الأفلام الطويلة كما أدهشونا في أفلام تخرجهم أو في أفلامهم المستقلة.