قرنان ونصف من عمر الولاياتالمتحدةالأمريكية كدولة منذ أعلنت استقلالها عام 1776 وحتي الآن، وبرغم حداثة نشأتها إلا أن الحرص علي الاحتفاء بكل ما يمكن اعتباره "تراث" يسود كل المجالات، بما فيها مجال الأدب، إذ تحرص دور النشر الأمريكية بصفة عامة علي إعادة طبع وتقديم الأعمال الأدبية القديمة باعتبارها "كلاسيكيات"، ومع إعادة القراءة تتكشف جوانب جديدة في هذه الأعمال الأدبية التي مر عليها عقود عدة. مجلة "عرض نيويورك للكتب" The New York Review Of Books أحد أهم آليات صناعة التراث الأدبي الأمريكي حاليا، ولمن لا يعرفها هي ليست مجرد مجلة أدبية نصف شهرية أمريكية وإنما هي من موقعها كأول مجلة فكرية أدبية في اللغة الإنجليزية، كانت ولا تزال علي مدي 46 عاما منبرا فعالا لصياغة وجهات النظر بصورة فريدة عبر ما يزيد علي 140 ألف نسخة توزعها دوريا. ومن بين ثلاث سلاسل كتب تصدرها دار النشر التابعة للمجلة، نجد أن أقدمها وأطولها هي سلسلة "الأعمال الكلاسيكية" التي بدأت عام 1999 كمشروع ضخم لإعادة نشر الأعمال الأدبية القديمة، بما فيها روايات القرن التاسع عشر، والروايات التجريبية، فضلا عن الأدبيات بنوعيها التقريري والمحض، وتعرف المجلة هذه السلسلة علي موقعها بشبكة الإنترنت قائلة: "نحن نعيد نشر ذلك النوع من الكتب الذي يقبل عليه الناس خارج قاعات الدراسة، ثم يتذكرونها لباقي حياتهم"، وكانت نتيجة هذا المشروع أنه بحلول نهاية 2009 سيكون هناك 260 عنوانا مطبوعا في طبعات تجارية ورقية ذات شكل موحد للغلاف، وتحظي جميع الكتب بتقديم من جانب باحث أو كاتب او ناقد حالي. والكتب التي يتم اختيارها للنشر بهذه السلسلة، لا يتم إعادة طبعها وحسب وإنما يعاد عرضها وقراءتها في الركن الخاص بالكلاسيكيات في المجلة، وهو ما يشجع القراء سواء كانوا صحفيين أو نقادا أوكتابا أو حتي قراء عاديين علي إعادة قراءة الكتاب كل بطريقته الخاصة وبأسلوبه الخاص، ومن هنا تحظي الكتب بقراءات وعروض لا عدد لها في الصحف الكبري والصغري، وعلي المدونات والمواقع العامة والشخصية. من أهم الكتب التي أعادت سلسلة "عرض نيويورك للكتب" نشرها مؤخرا؛ رواية للكاتب الامريكي "دون كاربنتر" التي حملت عنوان: "من الصعب سقوط المطر"، وكتبت "الواشنطن بوست" حولها مقالا بعنوان: "عودة الشخصية الرئيسة"، أثني فيه المحرر علي الرواية بقوله: "من الروايات النادرة التي تتصف بكونها خام وغير عاطفية ومع ذلك تنفذ للقلب والروح". آخر طبعة من الرواية كانت عام 1966، وقد قام كاربنتر بنشر تسع روايات بعدها، قبل أن ينتحر عام 1995، ولعل الدعاية الجيدة التي حظيت بها الرواية ستشجع باقي الناشرين والكتٍاب والقراء علي البحث عن باقي أعمال كاربنتر لإعادة قراءتها.