أعود مرة أخري إلي أقوالنا المنقولة عن التراث والتي لا نفهم أصلها وإن كنا نعي ما تشير إليه من كناية وما ترمي إليه من قصد.. وبالرغم من أنني أستعد كل جمعة بإحدي هذه الكنايات مسبقا، فقد استبعدت ما كنت أبحث عنه حينما كانت صديقتي تحدثني في التليفون وقالت: (علي نفسها جنت مراكش).. فقلت لها: (بل براقش).. فقالت: (كنت أقولها براقش إلي أن أصلحتها لي صديقة تدّعي أن المثل هو: علي نفسها جنت مراكش).. وهنا ذهبت أبحث عن أصل المثل لأتأكد هل هي براقش أم مراكش.. ونحن نعرف أن مراكش هي المغرب ولكن ما هي براقش؟ يقولون إن براقش كانت كلبة. ولكن كيف جنت علي نفسها؟ تقول كتب الأمثال: إن براقش كانت كلبة لقوم في أحد بلاد العرب وكانت تقوم بحراسة المنازل والحقل خير قيام.. وكانت تصيح وتنبح وتطارد المارة من الغرباء.. وتكاد تفترس اللصوص والأشقياء.. ولم يكن أحد يجرؤ علي الاقتراب منها أو المرور في طريقها.. وكان صاحبها قد علمها أن تسمع وتطيع أوامره. أطفال الحي يحبونها.. وهي تحبهم وتحرسهم، تخرج معهم وتلاطفهم.. تسبقهم تارة، وتتأخر عنهم تارة.. تستكشف الطريق, وتشم رائحة العدو من بعيد.. وكأنها جهاز إنذار أو طائرة استكشاف تحمي أهلها.. فإذا ما أقبل الليل ناموا وهم آمنون، لأن براقش تحميهم وتسهر طول الليل تحرسهم.. وفي ليلة ظلماء، هجم الأعداء علي بيوت أصحاب براقش ومنازلهم.. فصاحت براقش ونبحت نباحا متواصلا.. فاستيقظ قومها وفروا إلي مغارة بالجبل القريب من قريتهم.. وهربت براقش معهم.. وبحث الأعداء عنهم فلم يجدوهم.. فأرادوا العودة من حيث أتوا، واطمأن أصحاب براقش، وأيقنوا أنهم قد أمنوا شر الأعداء بفضل براقش إلا أنها راحت تنبح وتنبح ولا تكف عن النباح.. فأشار إليها أصحابها بالسكوت، لكنها لم تفهم الإشارة وراحت تنبح نباحا متواصلا، حتي سمع الأعداء صوتها وعادوا وعرفوا مكانهم وقضوا عليهم.. وكانت براقش هدفا لضربة قاتلة مزقتها وقتلتها، وكانت هي سببا في القضاء علي قومها.. وقالوا إن براقش كانت كمن يضيء الأنوار في وقت الغارة.. وهكذا (علي نفسها جنت براقش).. إذا هي براقش وليست مراكش.. وهي الكلبة التي لم يسعفها ذكاؤها في إدراك خطورة نباحها.. ولما ظلت تنبح انقلب نذيرها عليها وعلي قومها.. وبدلا من أن يثير النباح خوف قومها فينهضوا لملاقاة الأعداء، أصبح نباحها إشارة للأعداء عن المكان الذي اختبأ فيه قومها، وصارت هي دليلا للأعداء بدلا من أن تكون دليلا لقومها. وكثيرا ما نحذو حذو براقش، وبدلا من أن نساعد أنفسنا وبلدنا نجني عليها وعلي أولادنا.. في كل مرة نهدر فيها ثرواتنا نجني علي أنفسنا.. في كل موقف نقبل فيه أن يحل التلوث ببلدنا نكون كبراقش.. وفي كل إهمال للأمن والأمان والصيانة، نكون أعداء أنفسنا وبيوتنا وبلادنا.