طبقاً لخطة خارطة الطريق يقع علي إسرائيل في المرحلة الأولي من التنفيذ التفكيك الفوري للمستوطنات التي تمت إقامتها منذ مارس 2001 وأن تجمد جميع الأنشطة الاستيطانية بما في ذلك ما أطلق عليه النمو الطبيعي للمستوطنات، إلا أنه علي العكس من ذلك سارت عملية الاستيطان في اتجاه تصاعدي، وعلي سبيل المثال كشفت صحيفة يديعوت احرنوت في عددها الصادر في الخامس والعشرين من فبراير 2005 عن وجود خطط لبناء 6391 وحدة سكنية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية، من بينها 2100 وحدة في معالي أدوميم كبري المستوطنات في الضفة، فضلاً عن اضفاء الصفة الشرعية علي ما يقرب من 120 مستوطنة عشوائية. وعلي صعيد آخر، أقرت الحكومة الإسرائيلية تعديلات في مسار السياج الأمني وفقاً للمصطلحات الإسرائيلية (جدار الفصل العنصري طبقاً للفلسطينيين) بشكل يدخل مستوطنة معالي أدوميم في الجانب الإسرائيلي، وإذا كان أرييل شارون قد أبدي تصميماً واضحاً علي تنفيذ خطته للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة بالرغم من معارضة اللجنة المركزية لليكود، والتي طالبت باجراء استفتاء علي ذلك، فإنه حرص علي طمأنة أعضاء حزبه بأن ذلك الانسحاب لن يكون إعلاناً لنهاية سياسة الاستيطان في الضفة، خاصة في منطقة القدسالشرقية، وفي هذا الخصوص فإنه صرحك بفضل الاستيطان يمكننا أن نحتفظ إلي ما لا نهاية بمواقعنا المهمة والضرورية لبقائنا، في القدس عاصمتنا الموحدة إلي الأبد، وفي الكتل الاستيطانية التي توجد في المناطق الأكثر قدسية بالنسبة لتاريخنا ومناطق الأمن الحيوية من أجل دفاعنا. وقد تم الكشف بصورة صارخة عن القصور الإسرائيلي في مواجهة التزامات خارطة الطريق في تقرير وضعته مسئولة سابقة في وزارة العدل، تاليا ساسون، بناء علي تكليف من رئيس الوزراء بدراسة الوضع القانوني للمستوطنات العشوائية. فقد أشار التقرير الذي تم تقديمه لرئيس الحكومة في الثامن من مارس 2005 بإصبع الاتهام إلي دور السلطات فيما يتعلق بتلك المستوطنات، مؤكداً أن الجيش ووزارات مختلفة، فضلاً عن إدارة الاستيطان في الوكالة اليهودية، قدمت مساعدات مالية بملايين الدولارات لإقامة وتعزيز تلك المستوطنات، وفيما يتصل بالمسئولين العسكريين الذين كان من المفترض منهم إجلاء المستوطنين فإنهم توصلوا إلي اتفاقيات ضمنية معهم من أجل إبقائهم في أماكنهم، وأخيراً، أبدي التقرير قلقاً واضحاً من المساندة التي يقدمها بعض كبار المسئولين المدنيين أو في الإدارة العسكرية لتلك المفاوضات انطلاقاً من دوافع ايديولوجية. ومن اللافت للنظر، أن ارييل شارون قد اكتفي بأخذ علم بمضمون التقرير بدون أن يبدي أدني توجه للتعامل مع الأمر وفقاً لما تمليه عليه خارطة الطريق. وفي واقع الأمر، يمكن القول إن ملف المستوطنات العشوائية وقضية شرعيتها من عدمه، كان قد تم إعداده ليصبح ورقة يمكن استخدامها في أية مفاوضات سياسية مستقبلية، تمكن القادة الإسرائيليين من تقديم تنازلات يمكن وصفها بأنها مؤلمة في مجال الاستيطان، دون أن يكون ذلك علي حساب الكتل الاستيطانية الضخمة في يهودا والسامرة التي أصبحت في عقلية وادراك صانع القرار الإسرائيلي جزءاً لا يتجزأ من أراضي دولة إسرائيل في شكلها النهائي كما وضعت ملامحه خطة شارون. وبالرغم من ذلك وفر الانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة، وقيام الجيش الإسرائيلي بإخلاء 23 مستوطنة في أسبوع واحد ورقة ضغط قوية في أيدي القادة الإسرائيليين، خاصة في ضوء التغطية الإعلامية الواسعة التي حظي بها هذا الحدث وما رافقه من مظاهر غضب متعددة في صفوف المستوطنين، حيث تم وصف ارييل شارون بأنه رجل سلام من جانب مراكز صنع القرار العالمي وعلي رأسها واشنطن، وتوجهت الأنظار إلي الطرف الفلسطيني مطالبة إياه بمقابلة الخطوة الإسرائيلية في مجال المستوطنات، بتحرك يتصل بتفكيك البنية التحتية للمنظمات الإرهابية. وفي المقابل، وجد رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، نفسه في موقف شديد الحساسية، فإجلاء المستوطنين من القطاع قد قدم فرصة للمنظمات الإسلامية الراديكالية لمحاولة توظيف حدث جاء خارج العملية السياسية التي يدعمها رئيس السلطة والرباعية الدولية وليست نتيجة لها، مما أمكن معه إظهار الانسحاب الإسرائيلي علي أنه انتصار للمقاومة فمن بيروت وأمام شعار كتب عليه اليوم غزة وغداً القدس اعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل في السابع عشر من أغسطس 2005 ، ذلك الانسحاب دليلاً علي أن الفلسطينيين سينتصرون ليس من خلال المفاوضات ولكن عبر المقاومة مشيراً إلي أن هذا الانسحاب شكل خطوة مهمة في طريق التحرير الكامل واستعادة الحقوق الفلسطينية وبداية نهاية الاحتلال الصهيوني. ولم يكن في مقدور السلطة أو حتي في تخطيطها الدخول في مواجهة ومن اعتاد الشريك الإسرائيلي علي وصفهم بالمتطرفين بغرض إنهاء العنف، وفضلاً عن ذلك فإن التوقيت لم يكن مناسباً علي الإطلاق لمنطق المواجهة الذي كان سيفرز نتائج كارثية علي نتائج الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في بداية العام. وفي مواجهة ذلك الموقف. اتجهت أنظار أبو مازن إلي كل من مصر والولايات المتحدة ومن خلال القاهرة تمكن من الحصول علي موافقة الفصائل الفلسطينية علي احترام التهدئة التي تم إقرارها تحت رعايتها قبل ذلك بشهور، أما فيما يتعلق بواشنطن فقد أمل أبو مازن في اتخاذها موقفاً حازماً يمكنه من أن يسحب البساط من تحت أقدام الأطراف الراديكالية في معسكره، ومن ذلك المنطق ركز علي ضرورة إعطاء دوافع للأمل للفلسطينيين مذكراً بأن الانسحاب من غزة ليس إلا بداية. مثلت استجابة إسرائيل للمطالب الأمريكية وإعلانها في الثاني من سبتمبر 2005 تجميد مشروعها لبناء 1000 وحدة سكنية بين القدس ومستوطنة معالي أدوميم المتاخمة، تطوراً مشجعاً في وقت التعبير عنها، وخطيراً علي المستوي البعيد حيث بدا واضحاً أن إسرائيل قد قررت الانتظار لإعادة طرح المشروع بعد أن يتم إظهار عدم قدرة السلطة الفلسطينية علي الوفاء بالتزاماتها، وفي هذا الخصوص قد يكون من المفيد الإشارة إلي ما تضمنته المقابلة الصحفية التي أجرتها صحيفة جيروزاليم بوست مع نائب رئيس الوزراء آنذاك، ايهود أولمرت، في اليوم ذاته، حيث ذكر: من الواضح أننا لن نقوم بعمل شيء من وراء ظهر الأمريكيين.. ولكن عندما تتوافر الظروف المناسبة سنعيد فتح الموضوع مجدداً معهم.. وليس هناك مجال للجدل حول أنه يجب علينا في نهاية المطاف أن ننفذ هذا المشروع.