يري المؤلف أن الرواية الفرنسية والإنجليزية عن مصر في القرن التاسع عشر تأثرت بالمذهب الواقعي في أوروبا منتصف القرن التاسع عشر، حيث حفل الأدب بالأحداث التاريخية والاجتماعية، ووقفت الرواية التاريخية عن مصر بقوة وصرامة ضد الإبهار التقليدي بكل ما هو غرائبي ورومانتيكي. "صدمة الحضارات" كانت الفكرة التي دارت حولها تلك الأعمال، الغرب في مواجهة الشرق، ولهذا تجاورت مشاهد الشرق مع مشاهد الغرب، في تلك الروايات حمل الروائيون الفرنسيون والإنجليز تناقضاتهم ومشاكلهم وهربوا إلي مصر من مساوئ عالم رأسمالي وصناعي متوسّع، في مقابل الحلم ب"روحانية الشرق"، وصوّرا في أعمالهم مصر وشعبها "المستلب" من قبل حكامه الظالمين، وشخصية المصري القدرية، ثم الدين الذي يكوّن جزءا متكاملا في لغة وفكر المصريين وحياتهم اليومية. من أمثلة ذلك رواية أليكساندر كينجليك "إيوتين" “1844”) - كتبها بعد عودته إلي إنجلترا من رحلة إلي الشرق بين عامي 1834 و1835 وخصص فيها سبعة فصول كاملة عن مصر – يراها المؤلف أشبه بأدب الرحلات، شغله خلود وبؤس الشعب المصري، هي بانوراما نفسية عن مصر تحت حكم محمد علي، مليئة بانطباعات الكاتب الشخصية التلقائية عن مصر وشعبها، وأخيرا يقول المؤلف إن كينجليك قدّم موقفا وديا متعاطفا مع المصري، صدم القارئ الإنجليزي الفيكتوري ضحية الأحكام المسبقة عن الأجناس والتعليم. بالنسبة للفرنسي نرفال كان الشرق يمثل شيئا آخر أكثر من عنصر للإبهار، ومزج في روايته "نساء القاهرة" “1844” بين الواقع والحلم، يقول المؤلف عن النساء المصريات كما رآهن نرفال: "في القاهرة يشرح نرفال هذا الجمال الذي يختفي خلف حجاب، وراحل يخترق هذا الحجاب لاكتشاف الجمال الإلهي الذي يخفيه"، وما اضطره ذلك إلي الاندماج التام في الحياة اليومية للقاهرة يقول: "لم أندم أبدا للاستقرار لبعض الوقت في القاهرة وجعلت من نفسي مواطناً لهذه المدينة وكانت تلك الوسيلة الوحيدة بلا أدني شك لفهمها وحبها". مثل كينجليك أعطي نرفال صورة مظلمة ومتشائمة عن الإنسان المصري: فقير وجاهل وتعوّده علي العبودية جعلته في حالة خضوع تام ودائم. ورأي المجتمع المصري منقسماً إلي معسكرين منفصلين: المميزين والفلاحين الذين يشكلون الجزء الأكبر من سكان القاهرة. انتهت قاهرة نرفال بإعطاء وجه مدينة متسامحة، مكان التقاء مختلف الأديان والعقائد والعصور، أرض التعايش بين الأديان ووطن التقاء المقدسات، رأي نرفال في مصر أرض روحانية محايدة حيث لا يخشي إنسان تعصب الأديان ولا عدم تسامح الأجناس، في نظر المصريين كل الأديان تستحق الحياة لأنها تفتح آفاقاً عن تاريخ الإنسانية. أعجب نرفال أيضا بملامح القاهرة العالمية، كتب عنها: "إنها البلد الشرقي الوحيد الذي تجد فيه الطبقات المميزة للعديد من العصور التاريخية، لا بغداد ولا دمشق ولا القسطنطينية احتفظت بهذه الروح". يقول المؤلف: "منذ ما يقرب من قرن أصبح الشرق بالنسبة لعدد كبير من الكتاب الفرنسيين والإنجليز مثل نرفال وكينجليك مكان الهروب والحلم"، وأن غالبية هؤلاء الكتاب بحثوا في مصر عن وسيلة لإعادة تعريف الغرب ولتأكيد هويتهم الخاصة. يستعرض د. شحاتة كذلك صورة مصر لدي بنيامين دزرائيللي الإنجليزي ذي الأصول اليهودية، فقد انفصل رائد الصهيونية هذا عن الغرب وذهب إلي مصر بحثا عن مأوي وسكينة لروحه المضطربة، لكنه يزيد عليهم بالروح الصهيونية الاستعمارية. روايته عن مصر كانت بحثا توثيقيا أكثر منها عملا إبداعيا، كتب عن مصر تحت وطأة الثنائية، بين ما كانت عليه قديما وما عليه حديثا، وبدت لدزرائيللي مجالاً خالصاً للملاحظات السياسية والأخلاقية، لكن المؤلف رأي أن خبرة هذا الروائي بمصر قصيرة ومحدودة ونظرته تميزت بصرامة وواقعية بالغة. "مصر ألف ليلة وليلة" كانت ملمحا آخر للاهتمام بمصر، فقد انجذب الغربيون نحو مصر عالم ألف ليلة وليلة وسحرها، كان علي الكتاب الفرنسيين والإنجليز التوقف أمام هذا العالم المصري الشرقي ليقتبسوا معاني الأسرار وطعم الخيال الجامح بلا قيود أخلاقية والرغبات داخل عالم وهمي غريب.