يجسد عنوان الديوان لوحة تشكيلية جديدة لفتاة داخل اللوح التوراتى السومارى القديم الذى قفز فوقها، ولم يجعلها محل اهتمام من دهاليزه العديدة؛ ربما يأتى ذلك لتنوع الدهاليز، أو للاكتفاء بالخمسة دهاليز التى اعتمد عليها السوماريون فى حكاياتهم التى رصدوها، وكأن الفتاة لدى الشاعر تمثل منطقة المسكوت عنه فى (الثقافة - المعتقد – العرف- كافة آليات المجتمع النابضة)، ومن هنا يعود الشاعر إلى بعض الحكايات، أو الدهاليز التى يثير بها اهتمام القارئ، فلا يتوقف الأمر فى سرد الحكاية على الوقائع بحد ذاتها، بل يسبكها الشاعر عبر بناء مجازى ولغوى متميز؛ يعمل من خلاله على تقارب وترابط الأحداث التى تجسد هموم الإنسان فى كل عصر، ومن هنا تظهر علاقة الأديب بعصره وزمنه، ويكشف عن مدى اشتباك النص مع الواقع، ومدى قبضته على الجوهرى والأساسى فيه، وخاصة أن الواقع المعيش يغتال أية إمكانية لتشكيل الأحلام. فتعد الفتاة بطلة النص رمزا لمستقبل قادم ينشده الشاعر داخل الواقع، فيعرض عبر السرد الشعرى ما قامت به هذه الفتاة، فيستخدمها كقناع يرصد من خلاله الوقائع المخلة داخل الواقع الخارجى الذى يعيش فيه الشاعر، أو رمز لمقاومة هذا الواقع من خلال التمرد على أشيائه؛ وخاصة الثابت منها وفقا لأعراف معينة، وهذا ما ظهر من خلال البناء الفنى للنص، فالنص يعتمد على الصورة الكلية التى تبدأ من الجزء وتتدرج فى النمو حتى تصل إلى النهاية معتمدا فيها الشاعر على تقنية المشهد الذى يجسد حالة جديدة لهذا الولد وما يريد أن يفعله داخل الواقع، فيعتمد على رمز اليمامة كمصدر للخصوبة والنمو المستمر داخل الواقع الجديد، ومن هنا يأتى كل مشهد لهذا الولد ليضيف إلى المشهد السابق؛حتى تمتد الصورة بامتداد المشاهد المعروضة داخل النص. يقول: الولد الكلاسيكى لا يتأبط فتاة عادية لأن نظراته غير ثاقبة بالمرة وقع الوقت أسفل قدميه دون أن يقتنص الفرصة فيحتضن الصراحة للحظة واحدة فقط أعاد تشكيل التوتر فالنص يجسد حالة المعاناة الإنسانية التى تصيب الإنسان فى خروجه عن درب القطيع، والقفز فوق طوابير العبودية وصفوف الطاعة العمياء من مختلف أشكال النمطية المستهلكة جماعيا إلى التحرر والتميز الذى يسعى إليه هذا الولد؛ لأن العادات البالية وسلطة السائد، والمؤثرات العاطفية تجعل الانسلاخ عنه مصحوبا بالألم ويتطلب قوة نفسية وروحا جبارة قادرة على التحدى، كما ظهر فى النص من الخروج على السائد بكل أشكاله؛ ليخلق واقعا فنيا موازيا للواقع القامع للذات. «شريف» أعرف جيدا أنكم ستتصيدون الرقع السوداء وستسقطون مرارتكم التى لا محل لها من الوجد على عتمة القصيدة حتى ان اليمامة المنتظرة إسقاطًا يقنع غباءها ستملُ آرائكم المٌتربة وسترسم بغرابة تشكل الهوية والكينونة مقصد الشاعر، فجدلية الاسم أصبحت هما يقلقه، فهو يبحث من خلالها عن كيانه، لذا يفصح به داخل النص «شريف» ليجسد من خلالها أنه هو الشخصية الفاعلة لا المفعول بها داخل النص، فالقصيدة الحديثة لم تعد مقتصرة على صوت واحد وهو صوت الشاعر، وإنما أصبحت تحمل أصواتا مختلفة، كما أصبحت تحمل نظاما قصصيا يصوغه الشاعر السارد ليشير من خلالها إلى أبعاد دلالية مختلفة تثير الانفعالات والمشاعر الإنسانية، وهذا ما ظهر فى النص السابق، فالنص الشعرى المعاصر أصبح نصا متشعبا متعدد الدلالات فلم يقف عند دلالة واحدة، بل لجأ إلى تقنية التناص ليثرى النص وينتشله من الجمود الزمنى واللغوى من خلال الارتداد للخلف ليمتص الضوء من الماضى، ويصهره داخل الحاضر وفق بناء فنى متميز كما فى التناص الدينى لقصة يوسف التى تمثل مصدر خصب للإبداع الأدبى فى كل زمان، ليعرض جوانب عديدة من (الحب – الصراع – المراوغة – الخير – الشر – الشبع – الجوع – الأمن – السلام) وعلى الرغم من كل الآثام التى يمتلئ بها الواقع، إلا أن الشاعر يسعى إلى السلام الخير الأمن، فهو لم يخالف يوسف، مع الفارق بين النبى والإنسان، وكأن الشاعر يعرض من خلال هذا التناص رسالة كبيرة وصعبة يقوم بها. البنت بائعة الخبز تعشق النظر إلى وجهى بلوعة واضحة علمًا بأننى الوحيد الذى لم يخالف يوسف بل سبقتٌ كل تأويلات العارفين بضرب مراودتها عرض الحائط يقول: فتنعم البلدة الصغيرة بصيحات الديكة وبلعنات المارة وبروحانيات الليل الماجن والذى لم يكن سوى ضباب خاص جدا خدع به الرب المدينة ذات مرة حتى تهنأ بألفية «الكاريزما» والتى كتبها نبى شاب الصورة الارتدادية (الفلاش باك) يقطع الشاعر من خلالها التسلسل الزمنى، فتجعل القارئ يستحضر زمنين أمام عينيه فى لحظة واحدة الزمن الحالى، والزمن السابق الذى يستمد منه البراءة والنقاء والحاضر الذى يعانى منه فيكثف معاناته من خلال الصورة السينمائية التى تجسد إيقاعا بصريا عبر اللقطات التى تتوالى لتكمل المشهد مما تدفع المتلقى إلى الانتباه والتركيز الشديد حتى يمتزج بالنص من خلال نوستولوجيا الحنين إلى الماضى وحالة البراءة (الطفولة) التى كانت تقاوم كل شيء دون خوف أو توجه. طفولة البحر رجل طيب يمدد قدميه عند الظهيرة وينعس وأنا كطفل شقى على إزعاجه أصرُ فاطسُ أطرافه بالحصى هو لا يزعل أبدا بل يمسك اذناى ويوبخنى بلطف «عندما تموت ستدخل النار» كنتٌ أصرخ من الضحك وأتذكر إمام مسجد حارتنا وهو يصرخ فى الناس ماذا ستفعلون إذا أتاكم الموت؟ أنا لدى فكرة خبيثة فعلا عندما يأتى هذا الحق كما يقول الكبار سأجرى تجاه عامود النور المجاور لبيتنا وسأطوقه بكلتا يدى ككلابة حتى لا أسقطُ على الأرض ولا أموت أبدًا