سألنى سائل: ما الذى افتقدناه حتى وصلنا إلى هذه الحالة الردية غير المرضية التى نعيش فيها؟ إن الذى افتقدناه هو التربية المحمدية النبوية المصطفوية التى علمتنا بكل يسرٍ وسهولة كيف نحول المبادئ والقيم والأخلاق والأحكام والعقائد والمناهج إلى حياةٍ نعيشها وإلى واقعٍ معيش كيف هذا؟ فرسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا الرحمة، ثم علمنا كيف نطبقها. أما تعليم الرحمة فأول ما تفتح كتاب ربك تجد قوله تعالى {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.أما تعليم الرحمة فعندما تسمع قوله تعالى فى وصف سيد المرسلين {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.أما تعليم الرحمة فعندما تسمع حديث الأولية يقوله رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ تبارَكَ وتعالى، ارْحَمُوا مَنْ فى الأَرْضِ يَرْحَمكُمْ مَنْ فى السماءِ) ولكن كيف نتخلق بالرحمة؟ وكيف نطبقها فى حياتنا؟ فيبدأ الأمر من تعليم المسلم أن الجماد يسبح ربه، وأن الجماد يسجد لخالقه، وأن الجماد يأتى ربه طوعًا، وأن الجماد يرفق على نفسه فى تحمل الأمانة التى تحملها الإنسان.. فعندما يعلم المسلم كل ذلك {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِى السَّمَاوَاتِ وَمَن فِى الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ}، وعندما يعلم المسلم أن الله سخر لنا ما بين السماوات والأرض جميعًا منه؛ فإنه يعامل الجماد معاملةًَ رحيمة، ولذلك أنطق الله الحجر والشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمعه حنين الجذع له حتى ضمه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلمنا الرحمة بالجماد فسكن؛ فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب على جذع نخلة يتخذها منبرًا، فلما جاء المنبر من عيدان _من مادةٍ شجريةٍ خشبيةٍ يقال لها عيدان_ وترك الجذع.. حن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فبكى حتى سمعه من فى المسجد فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من خطبته _والخطبة جزء من الصلاة_ حتى يحتضن ذلك الجذع الجماد، فسكن الجذع بحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم.ماذا يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟يعلمنا أن نتعامل مع الجماد برحمة. ويقول لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ وما أدراك ما النار وما أدراك ما عذاب الله فيها فى هِرَّةٍ حَبَسَتْها لا هى أطْعَمَتْها ولا هى تركَتْها تأكُلُ مِنْ خشاشِ الأرضِ)، و(دخلتْ امرأةٌ الجنةَ فى كلبٍ) وفى رواية و(دخلتْ بَغى مِنْ بنى إسرائيلَ الجنةَ فى كلبٍ وجَدتْه عطشانَ فسقَتْه فأدخلَها اللهُ به الجنةَ).ويسأل الصحابة: ألنا فى البهائم صدقةٌ يا رسول الله؟ قال: (ألا إنَّ فى ذات كل كبدٍ رطبٍ صدقةً) فما بالك ونحن نعلم الرحمة بعد ذلك بالإنسان! رحمة بالأكوان، ورحمة بالحيوان.