فى منتصفِ فبراير 2020، تم اكتشاف خليةٌ سرية لجماعةِ الإخوان المسلمين المصرية المحظورة فى السودان، كانت تخطِّط لتنفيذِ عملياتٍ إرهابية فى الخرطوموالقاهرة. واعترف أحدُ المصريين بأنه دخل السودان مستخدمًا جوازات سفر سورية مزورة، قدَّمتها الحكومة التركية. كان الإرهابيون على صلةٍ ببرلمانيين مصريين سابقين من جماعة الإخوان المسلمين، بمن فيهم جمال حنفي، وياسر حسنين، وعبدالهادى شلبي، الذين كانوا جزءًا من حكومة الإخوان فى مصر التى أُطيح بها فى عام 2013، ووفقًا للسلطات السودانية، فإن أعضاء مصريين من جماعة الإخوان المسلمين وصلوا إلى السودان قادمين من تركيا، وكان العقل المدبر لعملياتهم محمد عبدالمالك الحلوجى الذى تُوفى فى تركيا، فى نوفمبر الماضي، ومحمد البحيري، الذى قاد عمليات الإخوان فى أفريقيا. يُعتبر محمد البحيرى إحدى الشخصيات المحورية فى تنظيم الإخوان العالمي، يبلغ من العمر 77 عامًا، وتم اتهامه بتهريب أعضاء مصريين من جماعة الإخوان المسلمين إلى خارج مصر، سواء إلى الصومال والسودان وتركيا، وساعد البحيرى أعضاء من نظام الرئيس عمر البشير على الفرار من السودان إلى تركيا بعد سقوط النظام فى أبريل 2019. وتشمل القائمةُ الطويلةُ للأسماءِ العباسَ البشير، وعبدالله حسن البشير، شقيقى الرئيس السابق، وكلاهما ينتمى إلى جماعة الإخوان المسلمين. وتجدر الإشارةُ إلى أن جماعة الاخوان المسلمين تنشط فى السودان منذ عام 1949 وتدعو إلى إقامة نظام إسلامى تحكمه الشريعة الإسلامية، وبعد أربعين عامًا، تعاونتِ الجماعةُ مع البشير، وسيطرت على الدولة من خلال “الجبهة الإسلامية القومية” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، المعروفة سابقًا باسم “جبهة الميثاق الإسلامي”. وكان هدفها الرئيس أسلمة المجتمع “من القمة” وإضفاء الطابع المؤسسى على جماعة الإخوان المسلمين فى جميع المفاصل الرئيسة للدولة مثل التعليم، والقضاء، وبعد الإطاحة بهم اضطروا إلى العودة مجددًا إلى أحضان الرئيس التركى رجب طيب أردوغان، الذى وفَّر لهم، بسخاء، الملاذ وجوازات السفر والمال والمتفجرات والأسلحة. علاوة على ذلك، فإن سفير أردوغان فى الخرطوم، عرفان نزير أوجلو، ينتمى إلى عضوية جماعة الإخوان المسلمين. وكان لسفير أردوغان فى السنغال، أحمد قاواس، صلاتٌ بتنظيمِ القاعدة، وفقًا لما ذكره عبد الله بوزكورت لموقع «عين أوروبية على التطرف»، وهو صحفى تركى بارز وعضو فى حركة «جولن» المناهضة لأردوغان التى تتهمها الحكومة التركية بتدبير محاولة الانقلاب فى عام 2016. لقد استثمر أردوغان، بكثافةٍ، فى نظام البشير منذ توقيعِ اتفاقاتٍ عسكرية واستخباراتية مع السودان فى مايو 2011. والتزمتِ الدولتان بالتعاون فى مجال التدريب العسكري، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والاتصالات، والبحوث التكنولوجية. وفى ديسمبر 2017، زار الرئيس التركى السودان، وتم إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجى الرفيع المستوى، الذى توّج بتوقيعِ اثنى عشر اتفاقًا إضافيًا، بما فى ذلك الاتفاق المثير للجدل لتأجير جزيرة سواكن السودانية لتركيا. كان أردوغان يأمل أيضًا فى تجديد ميناء سواكن الذى كان يومًا ميناء عثمانيًا سابقًا مهملًا لمدة قرن كامل وإنشاء قاعدة عسكرية للسفن والضباط الأتراك. وبعد الإطاحة بالبشير الإخوانى وكما هو الحال فى مصر وسوريا، قرَّر أردوغان أنه إذا لم يتمكن من السيطرة على الدولة فى السودان، فإنه سوف يتبنى جهودًا من شأنها إشاعة عدم الاستقرار لإسقاط الحكومة الجديدة وتمزيق البلاد. وفقًا لتسريباتٍ حديثة، شعر أردوغان بالإحباط من جماعة الإخوان المسلمين، بعد أن أخفقت فى الحفاظ على قبضتها على السلطة فى القاهرة، وجاءت هذه التسريبات من خلال عملية تنصت سرية كشفت عن محادثة خاصة فى عام 2013 بين إبراهيم كالين، أحد كبار مستشارى أردوغان، ورجل الأعمال التركى عبد الله تيفنيكلي، الذى كان مقربًا من الرئيس التركي. وأعرب كالين عن أسفه لأن تظاهرات الإخوان تذبل فى مصر. وردًا على سؤال حول ما إذا كانت تركيا قد فقدت نفوذها فى مصر، قال مستشار أردوغان إنه لا يزال لديها نفوذ على جماعة الإخوان المسلمين، واقترح تيفنيكلى أن يتم التعامل مع المسألة تحت ستار دعم الديمقراطية فى مصر. علاقات أردوغان بالفرعين المصرى والليبى من جماعة الإخوان المسلمين أكثر وضوحًا من السودان. وفى مصر، احتضن بحرارة نظام مرسي، وتحسّر على سقوطه فى عام 2013. وفى ظلِّ حكم الإخوان، وعد أردوغان بمضاعفة الاستثمارات التركية فى مصر ثلاث مرات لتصل إلى 5 مليارات دولار، واصفًا القاهرة وأنقرة بأنهما “محور الديمقراطية”. غير أن العلاقات بين مصر وتركيا ازدادت سوءًا، حيث قطعتِ الدولتان علاقاتهما الدبلوماسية بعد سقوط مرسى وعلقتا التعاون الأمني. ترى الحكومة المصرية الجديدة برئاسة عبد الفتاح السيسى أن جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وحزب «العدالة والتنمية» الذى يتزعمه أردوغان وجهان لعملة واحدة، وكلاهما يُلام على خلق الفوضى فى جميع أنحاء العالم العربي. وعندما توفى مرسى فى السجن أعرب أردوغان عن أسفه لفقدان «شهيد»، وأمر بإقامة صلاة الغائب عليه فى مساجد إسطنبول. فى عام 2017، تم اعتقال 29 شخصًا فى مصر، بتهمة التجسس لصالح تركيا. وفى يناير 2020، أصدر مستشار أردوغان، حسين أقطاي، كتابًا يُمجِّد سيد قطب، كبير منظرى الإخوان المسلمين الذى أعدمه عبد الناصر فى عام 1966. بعد خسارته لنظامى الإخوان المسلمين فى القاهرةوالخرطوم، ألقى أردوغان بكامل ثقله خلف فايز السراج، رئيس وزراء ليبيا المدعوم من الأممالمتحدة، والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، الذى يخوض معركة شاقة ضد المشير خليفة حفتر، المدعوم من قبل روسيا، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وعلى غرارِ السودان، تم تأسيس الفرع الليبى لجماعة الإخوان المسلمين من قبل دُعاة مصريين فى عام 1949، وبعد اضطهادهم لفترة طويلة فى عهد العقيد معمر القذافي، عادوا إلى الظهور كلاعبين نشطين فى عام 2011 عندما أطيح بالقذافى من خلال تدخل حلف الناتو، عبر حزب «العدالة والبناء»، الذى فاز ب 34 مقعدًا من أصل 200 مقعد فى أول انتخابات برلمانية بعد القذافي. وفازت الأحزاب السلفية ب27 مقعدًا آخر، أى ما مجموعه 61 مقعدًا للإسلاميين من 200. تحالف فايز السراج مع حزب «الوطن» الذى يتزعمه عبد الحكيم بلحاج المدعوم بقوة من قطر، رفيق أسامة بن لادن، وكان قد نصّب نفسه “أميرًا” للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة. ووفقًا للجيش الوطنى الليبى الذى يتزعمه حفتر، فإن عبد الحكيم بلحاج استولى على 50 كيلو من الذهب، و80 مليون يورو، و75 مليون دولار، و80 كيلو من المجوهرات من داخل منزل القذافي. واستند هذا الاتهام إلى مكالمةٍ هاتفية تم اعتراضها بين بلحاج وحليفه مهدى الحاراتي؛ جهادى ليبى أنشأ جماعة سلفية متمردة فى سوريا باستخدام أموال تركية. وقد أرسل الرئيس التركى بالفعل قواتٍ تركية إلى ليبيا لدعم السراج، إلى جانب طائرات دون طيار ومركبات عسكرية، وآلاف المرتزقة السوريين من “فيلق الشام”، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، وفرقة “السلطان مراد” وهى وحدة من المتمردين التركمان. واتهم حفتر البنك المركزى الليبى بتحويل أموال النفط إلى الإخوان المسلمين. ووفقًا لأحمد المسماري، المتحدث باسم الجيش الوطنى الليبي، فإن محافظ البنك المركزى فى ليبيا، صادق الكبير، موَّل جماعاتٍ أخرى لها صلات بتنظيم القاعدة بمبلغ 11 مليون دينار، من خلال علاقته مع على الصلابي، زعيم الفرع الليبى المقيم فى قطر من جماعة الإخوان، المقرّبة من العرّاب الروحى المصرى للجماعة، يوسف القرضاوي. علاوة على ذلك، فإن المستشار القانونى للبنك المركزى الليبي، مصطفى المانع، هو عضو رسمى فى جماعة الإخوان المسلمين، يحظى بدعمٍ من رجب طيب أردوغان، ويشغل عضوية مجلس أمناء المؤسسة الليبية للاستثمار. ويشغل سليمان عبدالقادر، وهو زعيمٌ آخر فى جماعة الإخوان المسلمين، حاليًا منصب المدير الإدارى لمعهد الدراسات المصرفية فى ليبيا، التابع أيضًا للسراج. يشار إلى أن البنك المركزى الليبى أودع 1.5 مليار دولار أمريكى فى «بنك زراعات» التركي، الذى يستخدم لدفع تكاليف أنشطة الإخوان فى ليبيا. وختامًا، قال عبد الله بوزكورت: «ما دام أن حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، وهى نظير تركى للإخوان المسلمين، لا تزال تدعم شبكة [الإخوان المسلمين]، إلى جانب قطر، فإنها ستظل هيكلًا قابلًا للحياة فى أفريقيا». «يعمل العديد من قادة [الإخوان] خارج تركيا وينسقون تخطيطهم للمؤامرات من هناك. ليبيا مثال على مدى استعداد أردوغان وشركائه للمضى [فى دعم الإخوان] من خلال ضخ السلاح، وإرسال المقاتلين، وتوفير الخدمات اللوجيستية لدعم الشبكة فى ليبيا«. نقلاً عن مركز European eye on radicalization.