تحقيق - فريدة محمد - محمود جودة - مى زكريا - إنجى نجيب - أمانى حسين اثنا عشر شهراً وعشرون يومًا فقط تغير فيها البرلمان المصرى من حال إلى حال ففى 13 ديسمبر 2010 عقد مجلس الشعب جلسته الافتتاحية ليعاود الانعقاد فى ذات المكان وبجلسة افتتاحيه بتشكيل جديد لأول برلمانات ثورة 25 يناير فى 23 يناير الماضى لكن شتان ما بين البرلمان المنحل بقوة الثورة بعد ثبوت فساده وتزويره وما بين البرلمان الجديد الذى سيطر عليه الإسلاميون. متغيرات عدة نرصدها فى هذا الملف.. فبرلمان 2010 سيطر علي 97٪ منه الحزب الوطنى الحاكم فى ذلك الوقت الذى أصبح محظورًا ومنحلاً اليوم. فيما غابت عنه جماعة الإخوان التى كانت منحلة ومحظورة من قبل ليأتى النقيض الآن.. فالوطنى المنحل اليوم غائب إلا من بعض فلوله المنتشرين فى زى أحزاب أخرى.. بينما الجماعة المحظورة فى السابق تشكل المرتبة الأولى فى عدد المقاعد اليوم لحصولها على 47.2٪ من إجمالى المقاعد يليها حزب النور السلفى الذى يصل أعضاؤه للمرة الأولى للبرلمان.. فالسلفيون كانوا مقاطعين العمل السياسى فى عهد نظام مبارك لاتقاء شر الملاحقات. الرئيس المخلوع حسنى مبارك فى برلمان 2010 انتهج طريق الاستخفاف - أثناء الجلسة الافتتاحية المشتركة لمجلسى الشعب والشورى التى لم تستمر أكثر من شهر ونصف - بالشعب والقوى السياسية المعارضة لحزبه المنحل عند قوله جملة «نسعى خلال المرحلة المقبلة لتحرك مواز لتوسيع تطبيق اللامركزية «حيث قطع مازحا «مش برلمان موازى دا» فى إشارة منه للاستخفاف بالبرلمان الموازى الذى شكلته قوى المعارضة السياسية المصرية وقتها، مواصلا استخفافه بتحريك يده نحو النواب فى دلالة على تهميش القوى الموازية مطلقا جملته الشهيرة «خليهم يتسلوا». وواصل حديثه مكررا الجملة السابقة «نسعى خلال المرحلة المقبلة لتحرك مواز لتوسيع تطبيق اللامركزية، وتدعيم المشاركة الشعبية على كافة المستويات» وقبل أن يكمل جملته قاطعه أحد نواب الحزب الوطنى المنحل مهللا بجملة لم تكن فى مكانها، كأنه سيناريو لمواصلة الاستخفاف بعقول المصريين والتمادى فى النفاق لولى نعمته مبارك بترتيب أمين تنظيم حزبه أحمد عز قائلاً «أنت مبارك الحريص على كل فقراء مصر، وتقف بجوار محدودى الدخل وربنا يبارك لك». وقاطع نائب وطنى آخر «حبك فى قلوبنا ياريس دا أنت رئيس دولتنا».. فمازحه مبارك قائلا «ما كلنا كنا فقراء يا أخي»، واستكمالا لهذا المسلسل الدرامى ضجت قاعة المجلس بموجة تصفيق حادة من قبل النواب. وتحدث المخلوع إلى النواب ضاحكا «أنتم بتسمعوا إشاعات – اللفظ اللغوى الصحيح هو شائعات – عن الطبعة يا جماعة، متصدقوش كل الإشاعات واللى عايز يطلع إشاعة يقول اللى عايز يقوله، فالمصلحة العامة تقتضي»، مستطردا: «مبنقلش سر واللى بنقوله فى الغرف المغلقة بنقوله بره، وهما بيحرفوا شويه هما حرين، بس إحنا عندنا الحقيقة»، الأمر الذى كان يضاعف من الشائعات الموجودة بين المصريين عن كل شيء، ويؤكد مقولة أن الشعب يقول ما يقوله وأن الحكومة تفعل ما تشاء. وفى كلمة الرئيس المخلوع أكد أن الاقتصاد المصرى صمد أمام أزمتين عالميتين متعاقبتين ولم تمد مصر يدها لأحد للتسول منه، معتبرا أن سياسات الإصلاح الاقتصادى التى كانت تطبقها حكوماته التى ساهمت فى نزيف البلد هى التى أعطت قوة للاقتصاد ودفعت به لانطلاقة قوية بمعدلات نمو مرتفعة. واستطرد بأن الدولة تعمل من أجل انطلاقة جديدة للاقتصاد المصري، تتمثل فى إقامة مناطق صناعية وتجارية جديدة وأخرى للتصنيع الزراعى بهدف رفع الإنتاجية والصادرات، وزيادة متوسط معدلات النمو إلى 8% خلال السنوات الخمس المقبلة، مؤكدًا أن هذه الانطلاقة سوف تنعكس على مستوى معيشة المواطن وسوف تصل ثمارها لمن لم تصل إليهم بعد من الفقراء والمهمشين، هذا رغم انهيار الاقتصاد وسرقة الثروات وزيادة أعداد الفقراء والمهمشين. وتطرق المخلوع للحديث عن أمن إمدادات الطاقة.. قائلا «سيظل أمن إمدادات الطاقة عنصرًا أساسيا فى بناء مستقبل الوطن وجزءًا لا يتجزأ من أمن مصر القومي» وهو الأمر الذى تعانى منه مصر والمصريون حاليا.. فأزمة الأنابيب والبنزين هى أزمة طاقة مستمرة منذ وجود النظام المخلوع.. ولم تنته حتى الآن بسبب عدم وجود استراتيجيات محددة للقضاء على الظاهرة التى تؤرق المصريين. ومن المفارقات والملاحظات حول البرلمان الماضى عام 2010 هو اختيار وكيلى المجلس من نواب الحزب الوطنى المنحل وهما الدكتورة زينب رضوان وعبدالعزيز مصطفى، بينما أحدث برلمان الثورة توافقا بين التكتلات الكبرى فى المجلس بعد اختيار الدكتور سعد الكتاتنى رئيسا للمجلس وهو ممثل لحزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، ومحمد عبدالعليم داود عن الوفد والذى فاز بمقعد العمال، والنائب أشرف ثابت عن حزب النور للفئات. ومن اللافت أيضا فى برلمان 2010 فى الجلسة الأولى هو حضور 9 وزراء من بينهم عضوان فى برلمان 2005 هما الدكتور يوسف بطرس غالى وزير المالية الأسبق والدكتور على المصيلحى وزير التضامن الاجتماعى الأسبق.. كما حضر الجلسة عدد من كبار المسئولين السابقين بالدولة وقتها فى مقدمتهم الدكتور عاطف عبيد والدكتور على لطفي، كما حضر الجلسة الدكتور أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء الأسبق وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر، ود.على جمعة مفتى الجمهورية، والبابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية ورؤساء الأحزاب وكبار رجال الدولة، أما برلمان الثورة 2012 فلم يحضر فيه أى من الوزراء فى الجلسة الافتتاحية أو رئيس الوزراء ولا رجال الدين والكنيسة. وصفق النواب فى برلمان 2010 حوالى 25 مرة خلال خطاب المخلوع، واستمر التصفيق طويلاً عند الحديث عن الفقراء والبرنامج النووى المصري، بخلاف برلمان 2012 الذى شهد التصفيق عند حديث الدكتور محمد سعد الكتاتنى عن دم الشهداء والثورة وتحية المجلس الأعلى لقوات المسلحة. د.فتحى سرور رئيس مجلس الشعب المنحل أوهم نفسه أن الوطنى حائز على أغلبية حقيقية قائلاً كلمته «اسمحوا لى أن أعبر عن عميق شكرى واعتزازى بثقتكم الغالية، إذ شرفتمونى برئاسة مجلسكم الموقر فى أول أدوار انعقاده من الفصل التشريعى العاشر، مستهلين معاً مرحلة برلمانية جديدة تتضافر فيها جهودنا جميعاً أغلبية ومعارضة ومستقلين لأداء المسئوليات الجسيمة الملقاة على عاتقنا كنواب عن الشعب وممثلين له، وانتهز هذه المناسبة لأتقدم لكم جميعا بخالص التهانى لفوزكم بثقة هذا الشعب العظيم الذى يستحق منا كل التقدير والاحترام عبر ملحمة سياسية رائعة حسم الشعب فيها أمره.. وقال كلمته.. فمنحكم شرف المسئولية.. وحملكم تبعة المهام الثقال لتحقيق آماله وطموحاته». واستطرد سرور قائلا: «يعز علينا ان نتذكر إخواناً لنا شاركوا فى صنع انجاز المجلس السابق إخوة غابوا عنا بإرادة الله الذى كتبها على كل حي. أذكر من هؤلاء الزملاء الذين غابوا عنا فى فصلنا التشريعى الجديد المرحوم كمال الشاذلى الذى كان برلمانياً فذاً، كما أذكر أيضاً بكل الحزن والأسى المرحوم مصطفى السلاب وكيل لجنة الشئون الاقتصادية فى المجلس السابق الذى كان موضع تقدير الجميع.. إذا كان التاريخ سجل للمجلس الماضى صياغة أكبر عملية تعديل فى نصوص الدستور المصرى الحالى بما يتواكب مع مستجدات الحياة ويفتح الطريق أمام المشرع ليمكن المرأة من المشاركة السياسية بتخصيص حصة لها فى البرلمان. كما سجل التاريخ للمجلس السابق أيضاً انجاز العديد من التشريعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية المهمة». وأضاف سرور: «فلنبدأ من حيث انتهى سالفنا ولنقدم الحلول والبدائل للقضايا التى توليها الجماهير أهمية خاصة، إن مجلسنا هذا ينتظره العديد من المهام السياسية والتشريعية والرقابية التى ستكون فارقة فى تاريخ الوطن، أذكر بالمبادئ العامة التى تحكم سلوك مجلسنا الموقر والتى تتمثل فى الاحترام المطلق للدستور واحترام حرية الرأى والرأى الآخر، والالتزام بالاستجابة لطموحات شعب مصر، والتعاون مع الحكومة، والوعى بأولويات العمل الوطنى فى المرحلة الراهنة». مضيفا: «وقد شاهدنا منذ بداية الحملة الانتخابية اقبال الأحزاب السياسية على ترشيح رموزها وكوادرها فى الانتخاب.. فضلا عن اعداد غفيرة من المستقلين، وسعى الجميع بكل ما أوتوا من مكانة سياسية ودستورية وقانونية للفوز بثقة الشعب، فألقوا أمام الشعب فى دعايتهم الانتخابية ببرامجهم السياسية، ورؤاهم البرلمانية وفكر الشعب ودبر، ثم نظر، واستخلص من البرامج والكوادر من ارتآه جديرا بتمثيله، فألقى بكلمته فى صناديق الاقتراع وعكف رجال القضاء وسدنة العدالة على مراقبة وفرز كلمة الشعب فى ضوء القواعد التى وضعتها اللجنة العليا للانتخابات وفى حراسة رجال وأجهزة الأمن الأوفياء فأسفرت كلمة الشعب عنكم أنتم أيها الزملاء والزميلات، فهنيئا لكم هذه الثقة الغالية». مستطردا: «وباسمكم جميعا، ومن هذه القاعة العريقة أتوجه بالشكر والتقدير للجنة العليا للانتخابات ولرجال القضاء أعضاء اللجان العامة ولرجال الشرطة حراس الأمن الأوفياء لما بذله الجميع من جهد مخلص لتكون كلمة الشعب هى العليا ولتكون الانتخابات صورة مشرفة للممارسة الديمقراطية. برلمان 2012 شهد خلافًا واضحًا فى الجلستين الافتتاحيتين للمجلسين كان برلمان 2010 كان اكثر هدوءا فى انتخابات رئيس المجلس وانتخابات اللجان أيضا.. الأمر الذى لم يحدث فى برلمان الإخوان الذى يحرص أقطابه ممثلين فى جماعة الاخوان المسلمين والنور السلفى والوفد والكتلة المصرية على الحصول على المزيد من المزايا. برلمان 2010.. لم يشهد السوابق البرلمانية التى شهدها برلمان 2012 حيث تم مخالفة اللائحة فى تلاوة القسم من جانب النواب السلفيين كما تم السماح للمرشحين على رئاسة المجلس بالحديث قبل انتخابهم وسمح للنواب بابداء الرأى قبل اننتخاب رئيس المجلس... وكان اللافت هو قيام بعض النواب باختطاف الميكروفون من رئيس الجلسة د.محمود السقا رئيس الجلسة. البرلمان الأخير بدأ ساخنا لعدم وجود اغلبية واضحة ولم ينجح فى صياغة اللجان بشكل سريع كما حدث فى برلمان احمد عز الذى كان قد رتب الأمور قبل افتتاح الدورة البرلمانية لتسير الأمور بهدوء. وبينما بدأت الجلسة الأولى لبرلمان الوطنى بالثناء على الرئيس السابق بدأت الجلسة للبرلمان الجديد بالتاكيد على استمرار الثورة وقال د.محمد سعد الكتاتنى رئيس المجلس عقب انتخابه «نسجد جميعًا لله شكرًا على كرمه وفضله ورحمته وتوفيقه لشعب مصر فى ثورته العظيمة البيضاء التى أطاحت بالنظام الفاسد واقتلعت جذور الظلم والاستبداد والفساد». وقال من على هذا المنبر «نعلن للشعب المصرى وللعالم أجمع أن ثورتنا مستمرة، ولن يهدأ لنا بال ولن تقر أعيننا حتى تستكمل الثورة كل أهدافها، فنقتص للشهداء بمحاكمات عادلة وفعالة وسريعة، ونعيد بناء مصر الجديدة، مصر الدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة». البرلمان الذى بدأ ساخنا ناقش قبل انتخاب لجانه قضية الشهداء ورد حقوقهم قبل انتخاب لجانه وشكل لجنة تقصى حقائق دون ان يحدد ممن تتكون بسبب الخلافات حول تشكيل اللجان. وكان لافتا احتلال نواب الإخوان لمقاعد الحزب الوطنى المنحل وشهدت جلسة مجلس الشعب الافتتاحية جلوس د.سعد الكتاتنى الأمين العام السابق لحزب الحرية والعدالة على مقعد د.فتحى سرور، والنائب الإخوانى حسين إبراهيم مكان الوزير الراحل كمال الشاذلي، فيما جلس النائب الإخوانى مؤمن زعرور عن محافظة الشرقية مكان الدكتور زكريا عزمى رئيس الديوان الجمهورى السابق والمحبوس حاليًا، بينما جلس النائب الإخوانى القديم عن المنيا بهاء أبوالحمد محل أحمد عز أمين التنظيم السابق والمحبوس، وجلس المهندس سعد الحسينى عضو مكتب إرشاد الجماعة عن الغربية مكان الدكتور عبدالأحد جمال الدين، رئيس الهيئة البرلمانية للحزب الوطنى سابق. وبينما كان معتاداً ان يرسل رئيس الدولة رسالة الى البرلمان ارسل المشير حسين طنطاوى الرسالة هذه المرة رسالة تهنئة واعلان عن نقل السلطة التشريعية للبرلمان المنتخب ورد المجلس برسالة رسالة شكر للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم الانتقالى وقال مجلس الشعب فى رسالته «السيد المشير محمد حسين طنطاوى القائد العام للقوات المسلحة: إن مجلس الشعب الجديد مجلس الثورة المصرية أتم اجتماعه الأول اليوم وعقب الانتهاء من إتمام إجراءات انتخاب رئيس المجلس واختيار وكيليه يسره أن يسدى إليكم خالص الشكر والتقدير على دوركم فى إتمام انتخابات مجلس الشعب باعتباره مجلس الثورة المصرية المجيدة». وأضاف فى الرسالة « مجلس الشعب يحمد جهود المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى إنجاز انتخابات مجلس الشعب، والتى تعد أفضل وأهم ماراثون انتخابى شهدته مصر، لقد وعدتم بإتمام الانتخابات البرلمانية أمام الشعب والعالم ووفيتم بوعدكم بإنجازها، ويحمد لكم مواقفكم التاريخية ووقفوكم وانحيازكم للشعب المصرى منذ انطلاق الشرارة الأولى لثورة 25 يناير المجيدة، وسوف يذكر الشعب المصرى هذا الموقف التاريخى وسيذكر جهودكم فى الحفاظ على مكتسبات الثورة المجيدة والسعى نحو إعادة بناء مؤسسات الدولة والحفاظ عليها وضبط الأمن دون أن ينزلق الوطن إلى مهاوٍ سحيقة. تبادل الأدوار كان واضحا بين الأغلبية والمعارضة فى المجلسين فبرلمان 2010 كان بلا معارضة على عكس برلمان 2005 الذى كا ن الاخوان الأغلبية الأبرز داخله.. أما البرلمان الحالة فتظهر فيه الخلافات شديدة نظرا لعدم وجود أغلبية واضحة. وتابعت الرسالة مجلس الشعب يعاهدكم ويعاهد الشعب بمواصلة طريق الثورة حتى تتحقق كل مطالبها، ويحقق للوطن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.