مع احترامي الشديد للبرلمان الأول في حياة الأمة الذي جاء بانتخابات حرة، شفافة، ديمقراطية (وليدة)، رغم كل ما شابها من مخالفات، تحدثنا عنها في حينها وغيري كذلك، إلا أننا يجب أن نعترف بأنها ليست كتلك الانتخابات التي كانت تجري تحت سلطات حكومية تولي الإدارة فيها الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل)!! ورغم أن الهيكل الذي تشكل منه جسم البرلمان، أسفر بعد تلك الانتخابات عن أكثرية عددية (لحزب الحرية والعدالة) الذراع السياسية لجماعة (الإخوان المسلمين)، حيث لم يصلوا إلي أغلبية، واستطاعت القوة الإسلامية الأخري (السلفيون) أن يصلوا إلي المركز الثاني في الأكثرية العددية – حيث الإخوان والسلفيين حصلوا علي نسبة في البرلمان تعدت السبعين في المائة. ومع ذلك فإن القواعد المنظمة لعمل هذا البرلمان طبقاً للإعلان الدستوري المعمول به، خلا من سلطات البرلمان في تشكيل حكومة مثلاً من الأغلبية، أو من الائتلافات التي يمكن أن تحدث، كما أن البرلمان الحالي لا يمكن أن ينقسم إلي أغلبية ومعارضة، إلا في حدود الموافقة علي مشروعات القوانين التي ستعرض علي المجلس وفي لجانه المتخصصة. إلا أن المهمة الرئيسية والأساسية لهذا البرلمان هو أنه بعد استكمال التشكيلات في الغرفتين (النيابي والشوري) – سوف يجتمعان سوياً لاختيار مائة عضو كلجنة تأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد. هذا هو لُبْ الموضوع وهذا هو هدف الأمة جميعها!! أن نضع عقداً اجتماعياً جديداً، ينظم الحياة السياسية في البلاد ويحدد شكل الحكم الذي سوف يختاره الشعب وأي الأنظمة المناسبة لهذه المرحلة من حياتنا. ولعل الوثيقة التي أصدرها (الأزهر الشريف) ووافقت عليها تقريباً كل القوي السياسية، ثم ألحقها (بوثيقة الحرية) والتي وافق عليها الجميع فيما عدا (الحرية والعدالة) علي ما أعتقد لتحفظهم علي أن الدستور هو من اختصاص المجالس النيابية، ولا يقبلون تدخل من أي طرف متمسكين بما جاء في البيان الدستوري، وأناط بالمجلس النيابي (شوري وشعب) تأسيس لجنة المائة لوضع الدستور. وهذه هي المعركة الحقيقية للمجتمع السياسي المصري ولشعب مصر جميعهم، وهنا يجب أن يحدث التوافق بين كل من هم في مقاعد البرلمان، سواء أغلبية أو أكثرية أو أقلية حيث لا يجب أن نصنف البعض بأنهم معارضة ,فالمعارضة في هذا البرلمان لامكان لها!! حيث الحكومة القائمة هي حكومة إنقاذ وطني جاءت بقرار تشكيلها من الهيئة العليا للقوات المسلحة بدورها كسلطة لإدارة الدولة (مؤقتة)!! وبالتالي فإن كل ما سينتج عن هذا البرلمان في واقع الأمر ربما يكون من المبكر جداً الحكم عليه! حيث سيتصدر الأجندة، الاهتمام بموضوع تشكيل المائة عضو، من أين؟ ومن هم؟ وكيف ستكون معايير الاختيار؟ ومن هم أصحاب الحق في الترشح لهذه اللجنة؟ هل من داخل البرلمان (بغرفتيه) أو من خارجه؟ وما هو تصور الدستور الجديد نحو عديد من التشوهات في الحياة السياسية المصرية مثل مجانية التعليم ونسبة 50% عمال وفلاحين واشتراط شهادة محو الأمية لعضو البرلمان!! أشياء عديدة تمس الحريات والتي يطمع شعب مصر ومثقفوه في أن تزيد مساحتها في الدستور الجديد ولا انتقاص منها كل تلك الموضوعات هي رأس اهتمام البرلمان الذي يجب أن يحدد الصلاحيات المحددة له طبقاً للبيان الدستوري المعمول به في البلاد اليوم!