ترجمة - داليا طه قال الباحث إريك تراجر بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى فى مقال له.. إنه نظرا لموقف جماعة الإخوان المسلمين المعادى للغرب، يجب على واشنطن أن تستعد للاحتمال القوى بأن يكون لها نفوذ محدود فقط مع الحكومة المصرية المقبلة. وأضاف أنه مع انتهاء الجولة الثالثة من الانتخابات البرلمانية المصرية، من المتوقع أن يعزز «حزب الحرية والعدالة» الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين هيمنته على المجلس التشريعى المقبل.. وعلى الرغم من أن «المجلس الأعلى للقوات المسلحة» لا يزال يحتفظ بالسلطة التنفيذية، إلا أن الفوز السياسى ل«حزب الحرية والعدالة» يبشر بحدوث تغييرات جذرية بالنسبة لمصر، بما فى ذلك البرنامج الدينى المحلى، وسياسة مواجهة خارجية. وأشار إريك إلى أنه ينبغى ألا يكون لدى الولاياتالمتحدة أى أوهام حول أهداف الحزب أو قدرته على أن يصبح معتدلا. ولكى يكون «حزب الحرية والعدالة» فى السلطة، يجب على واشنطن أن تشترط بأن يعتمد مسار العلاقات الثنائية فى المستقبل على سلوك الحزب تجاه المصالح الأمريكية الرئيسية، بما فى ذلك معاملة الأقليات الدينية ومعاهدة السلام التى وقعتها مصر مع إسرائيل ومكافحة الإرهاب. وقال الكاتب إن «حزب الحرية والعدالة» حصل على ترخيص عمله فى 30 أبريل 2011، مما يجعله ثانى حزب جديد يتم الاعتراف به من جانب الحكومة المصرية بعد الإطاحة بحسنى مبارك فى 11 فبراير.. وفى البداية، سعى الحزب إلى تهدئة المخاوف من استيلاء الإسلاميين فى مرحلة ما بعد مبارك بتعهده بخوض الانتخاب فى أقل من 50 فى المائة من المقاعد.. ولكن بعد انهيار تحالفه الانتخابى مع «حزب الوفد» فى أواخر أكتوبر، أعلن «حزب الحرية والعدالة» أنه سيخوض الانتخابات فى 77 فى المائة من المقاعد. وأضاف أن الهدف الأسمى ل «حزب الحرية والعدالة» هو إقامة دولة إسلامية تكون فيها الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع.. وعلى الرغم من أن قادة الحزب يشيرون بصورة صحيحة إلى أن «مبادئ الشريعة الإسلامية هى مصدر رئيسى للتشريع» وفقا للمادة الثانية من دستور عام 1971، الذى تم تعليقه فى أعقاب الإطاحة بحسنى مبارك، يعتزم الحزب تطبيق القوانين المستندة على الشريعة بصورة أكثر شمولا مما كان يتم فى السابق. وينص برنامج «حزب الحرية والعدالة» على أن «الشريعة الإسلامية، فى جوهرها... تنظم مختلف جوانب الحياة للمسلمين وغير المسلمين الذين يشاركون فى الدولة معهم». ولذلك فمن المرجح أن تغير الأهداف الدينية للحزب الكثير من جوانب السياسة الداخلية لمصر. وأشار الكاتب الى ثلاث قضايا من هذا القبيل التى ينبغى أن تثير قلقا خاصا لواشنطن.. الأولى، أن قادة «حزب الحرية والعدالة» كانوا قد قالوا مرارا وتكرارا إنهم سيمنعون الكحول والاستحمام فى الشواطئ -- وكلاهما ضرورى لصناعة السياحة التى تمثل نحو 10 فى المائة من الاقتصاد المصرى. الثانية، تواجه مصر أزمة مالية حادة، ويمكن أن يؤدى عزم جماعة الإخوان المسلمين على تنفيذ حظر قرآنى على الصناعة المصرفية القائمة على الربا إلى إعاقة قدرة البلاد على جذب الاستثمارات الدولية. وثالثا، قال برلمانيون من «حزب الحرية والعدالة» الذين تم انتخابهم حديثا إنهم لن يتسامحوا مع الانتقادات الموجهة إلى الإسلام أو الشريعة، بما فى ذلك تلك التى أدلى بها المسيحيون والعلمانيون. وفى الأشهر الأخيرة، أقام محامون تابعون لجماعة الإخوان المسلمين دعاوى قضائية ضد منظمات وأفراد متهمين بالاساءة الى الإسلام.. ومن المرجح أن تتفاقم هذه المحاولات التى تهدف إلى الحد من حرية التعبير بمجرد تولى «حزب الحرية والعدالة» السيطرة على البرلمان. وأوضح الباحث أن جماعة الإخوان المسلمين تشير بصورة مماثلة إلى تفضل التطرف على الواقعية فى السياسة الخارجية.. على سبيل المثال، أعلن المرشد الأعلى محمد بديع مؤخرا أنه بعد تشكيل الحكومة الجديدة، سيتابع التنظيم هدفه النهائى وهو إقامة «الخلافة الراشدة لتعليم العالم». وقد يكون هذا الهدف غير واقعى على المدى القصير، ولكن جماعة الإخوان المسلمين تعمل بالفعل من خلال «حزب الحرية والعدالة» لتحويل مصر بعيدا عن حلفائها الغربيين نحو سياسة خارجية إسلامية. ومن المرجح أن تكون معاهدة السلام مع إسرائيل الضحية الأولى لحكومة بزعامة «حزب الحرية والعدالة». وعلى الرغم من أن الحزب قال إنه سيحترم الاتفاقات الدولية لمصر، إلا أنه حصل على استثناء بشأن اتفاقيات كامب ديفيد، حيث ينوى طرحها لاستفتاء وطني، وبذلك يحمى نفسه من المسئولية المباشرة عن انهيار المعاهدة. وفى الوقت نفسه، سعت جماعة الإخوان المسلمين موقف المجابهة التى تتخذه تجاه إسرائيل فى الأسابيع الاخيرة من خلال التعهد بعدم الاعتراف بالدولة والترحيب بحرارة بزعيم حماس إسماعيل هنية فى القاهرة. وقال الباحث إنه من المغرى الاعتقاد بأن «حزب الحرية والعدالة» سيصبح معتدلا فى مواقفه بمجرد مجيئه إلى السلطة، ولكن هناك أربعة عوامل تجعل من ذلك أمرا مستبعدا جدا. أولا، على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين قد صورت «حزب الحرية والعدالة» فى كثير من الأحيان بأنه بمثابة كيان مستقل، فإن التمييز بين «التنظيم» و«جناحه السياسى» هو سطحى. فمكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين الذى يضم خمسة عشر عضوا هو الذى انتخب قادة «حزب الحرية والعدالة»، وجميعهم من الأعضاء السابقين فى ذلك «المكتب». وعلاوة على ذلك، فإن اختيار العضو المتشدد محمد مرسى كأول رئيس لحزب الحرية والعدالة.. يشير إلى أن الإخوان ملتزمون بضمان عدم انحراف الحزب عن مبادئ التنظيم الأم. ثانيا، يضمن الإخوان التصلب الفكرى لحزب الحرية والعدالة من خلال الاحتفاظ بالسيطرة المباشرة على عملية الترشيح البرلمانية. فالبرلمانيون الجدد لحزب الحرية والعدالة هم جميعا أعضاء فى جماعة الإخوان المسلمين منذ فترة طويلة وقد تم فحص ترشيحاتهم بدقة من قبل مستويات متعددة من قيادة المنظمة. ثالثا، ظهور «حزب النور السلفي» باعتباره ثانى أقوى فئة فى مصر تجعل الاعتدال خيارا استراتيجيا خطيرا ل «حزب الحرية والعدالة». ويستند الكثير من جاذبية «حزب النور» على ادعائه بتمثيل الإسلام «الحقيقى»، مما يجعله وسيطا محترما للمبادئ الإسلامية فى السياسة المصرية. وبالتالى يخاطر «حزب الحرية والعدالة» بفقدان التأييد بين الناخبين الذين أغلبيتهم الساحقة جمهور متدين.. إذا ما اعتبر هذا الحزب أنه ينحرف عن العقيدة الإسلامية.. ومن غير المرجح بشكل خاص عدم الموافقة مع مبادئ «حزب النور» حول المبادئ القرآنية الأساسية، مثل فرض حظر على الربا والكحول. وأخيرا، دعا «حزب الحرية والعدالة» الجماعة الإسلامية -- المنظمة التى صنفتها الولاياتالمتحدة كإرهابية -- إلى الانضمام الى حكومة ائتلافية فى المستقبل.. إن شمول هذه الفئة الراديكالية والعنيفة من الناحية التاريخية يقلل من احتمال سعى الإخوان إلى اتباع أجندة معتدلة، وسوف يعد بشدة من جهود الولاياتالمتحدة للتعاون مع الحكومة المصرية المقبلة. أما عن العلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، قال اريك إن الواقع المتمثل بفوز «حزب الحرية والعدالة» بالسلطة عن طريق الانتخابات البرلمانية ينبغى ألا يخدع صناع القرار بالاعتقاد بأن المنظمة ملتزمة بالمبادئ الديمقراطية أو الاعتدال. ولهذا السبب، يجب على واشنطن أن تستغل تفاوضها الحالى مع قادة الإخوان لكى تبعث برسالة مفادها أن مستقبل العلاقات المصرية الأمريكية تعتمد على سلوك المنظمة بشأن ثلاث مصالح رئيسية للولايات المتحدة. أولا، يجب على إدارة أوباما أن تبلغ قلقها حول وضع الأقليات الدينية تحت حكم الإسلاميين، بصورة أكثر مباشرة. وعلى وجه التحديد، ينبغى عليها أن تطالب جماعة الإخوان المسلمين بأن تنهى دعاواها القضائية غير الليبرالية ضد المسيحيين والعلمانيين المتهمين بالإساءة للاسلام، وتحذر من تجريم المعارضة العلنية للشريعة الإسلامية. ثانيا، ينبغى على واشنطن أن تصر على أن تحافظ مصر على معاهدة السلام مع إسرائيل، بإخبارها الإخوان أن أى استفتاء على اتفاقيات كامب ديفيد سيتم تفسيره كمحاولة للقضاء على ذلك الاتفاق.. وفى المحادثات الأخيرة، أعرب قادة الإخوان عن اعتقادهم بأن اللوم لن يلقى عليهم إذا ما ألغيت المعاهدة، وذلك عن طريق إجراء تصويت على الصعيد الوطني، كما يبدو مرجحا.. هناك حاجة بأن يتم إخبارهم ما هو خلاف ذلك. ثالثا، يجب على واشنطن أن توضح أنها تتوقع أن تقوم الحكومة المصرية بمحاربة الإرهاب على الصعيد الداخلى.. وفى هذا السياق، يجب على المسئولين الأمريكيين استخدام لقاءاتهم مع قادة الإخوان لكى يصروا على أن يتم استبعاد الجماعات الإرهابية مثل الجماعة الإسلامية من الحكومات فى المستقبل. كذلك يجب على واشنطن أن تضغط على الإخوان لكى يضعوا خطة لتحقيق الاستقرار فى شبه جزيرة سيناء.. وفى المحادثات الأخيرة، اعترف قادة المنظمة بأن تزايد النشاط الإرهابى فى شبه الجزيرة هو مشكلة أمنية داخلية وكذلك شرارة محتملة لقيام أزمات مع إسرائيل، وبما أن للولايات المتحدة وجماعة الإخوان المسلمين مصلحة مشتركة فى استقرار وربما تطوير شبه جزيرة سيناء، فمن الممكن أن توفر هذه القضية فرصة للتعاون. ومع ذلك، فنظرا لموقف جماعة الإخوان المسلمين المعادى للغرب، يجب على واشنطن أن تستعد لاحتمال قوى بأن يكون لها نفوذ محدود فقط مع الحكومة المصرية المقبلة.. ووفقا لذلك، يجب على إدارة أوباما ان تبحث عن إمكانية وضع إطار متعدد الأطراف من أجل تشجيع مصر بقيادة الإخوان على الحفاظ على السلام مع إسرائيل واحترام حقوق الأقليات ومكافحة الارهاب.