في عامنا الجديد يظل المشهد السياسي العام صادماً ومثيراً للإحباط، ذلك أنه وإن كانت ثورتنا الينايرية الرائعة قد باتت أمراً واقعاً إلا أن ما تلاها من أحداث وصل بها إلي أن أفرغها من مضمونها الفعلي والحقيقي. فقد أجهزت غوغائية الشارع وانتهازية المطالب الفئوية علي ذلك الطابع الثوري المفترض. وفي هذا السياق العام يبرز المشهد الانتخابي أكثر قتامة وكأن التاريخ يكرر نفسه فالناخب ذو الجلباب الأزرق الذي أحجم عن التصويت لصالح الأستاذ المفكر أحمد لطفي السيد لمناداته بالديمقراطية في ثلاثينيات القرن الماضي هو ذاته الذي يصوت اليوم منقاداً لشعارات هلامية ووعود واضحة الزيف وبرامج سياسية شديدة التناقض والعشوائية تسلبه خيارات لتتوه به فيما بين السماء والأرض. مشهد في منتهي الرداءة والتخلف نعلم في غالبيتنا حقيقته ومع ذلك نظل مع الجوقة نردد أن نتيجة هذه الانتخابات تمثل عرساً للديمقراطية وتكشف عن عمق الوعي والشفافية والفطنة لدي الناخب، وإذا كانت المنافسة تنعقد فيما بين القوائم والتكتلات السياسية والحزبية المختلفة فالمفترض أن هذه المفاضلة تكون علي أساس البرامج السياسية والحلول المقترحة القابلة للتطبيق علي أرض الواقع، غير أنه باستعراض هذه البرامج نجد أن بعض مفرداتها وأطروحاتها غير قابل للتنفيذ إلا في الآخرة وليس في الدنيا منها هي الجنة فتحوا أبوابها لمن يصوت لصالح مرشحي حزب النور السلفي والنار لمن يصوت لغيره. ومن لزوميات هذه البرامج المطروحة أن يكون هناك خصوم «كفرة» وقد حصرت هذه البرامج هؤلاء الخصوم بما يتوافق وطبيعة تلك المرحلة الراهنة وظروفها فيما يتعلق بالليبرالية والعلمانية ولو سألت أحدهم عما ينادي به في هذا السياق حال تواجده علي المنبر عن معني الليبرالية لنكس رأسه محجماً عن الإجابة التي لا يعرفها. مشهد رديء قوامه استثمار هذا الجهل السياسي والأمية الأبجدية بهذه الصورة الفاضحة، بحيث يصير هذا العامل هو المفتاح الرئيسي لاستلاب إرادة الناخب وتوجيهه واصطناع شرعية زائفة تمكن هذه القوي الأصولية المتأسلمة من القفز علي السلطة. وعندما يكون استغلال هذا الواقع المتخلف علي هذا النحو فمن ثم يصير لزاماً الحفاظ علي الجهل والفقر والاستبداد علي حالها باعتبارها من مسوغات السيطرة علي الصندوق الانتخابي. ومن أبرز مفردات هذا المشهد الانتخابي رداءة كثرة اللغط والحديث عن التأثير علي إرادة الناخب بتوجيهه توجيهاً مباشراً أن يصوت لصالح المرشح الفلاني أو الحزب الفلاني وهي مسألة واقع قائم وحقيقي يكشف عن كارثة مؤداها أن كثيراً من هؤلاء الناخبين مازال علي حاله بلا إرادة وبلا قناعات وبلا وعي، وإذا كنا بصدد الحديث عن رعايا وليس مواطنين لهم كامل حقوق المواطنة وعليهم واجباتها فلابد من التركيز بشيء من الموضوعية علي التصدي لهذه التيارات العابثة التي لا تتواني عن بذل كامل طاقاتها عبر هذه المسوح والأقباط الدينية المغلوطة لاكتساب هذه الشرعية الزائفة وإبرام الصفقات السياسية الفاسدة وإلا صرنا إلي مستقبل عبثي ملتبس غير واضح المعالم والهوية.