تحمل الصحف التصريحات، والتصريحات المضادة.. فقد تعودنا فى الأيام الأخيرة أن يخرج علينا من يقول كلاما باسم جماعة الإخوان المسلمين.. فإذا بواحد من قيادات حزب الحرية والعدالة – المفقوس عن الجماعة – يخرج ليقول كلاما عكسيا.. والأمر كذلك داخل حزب النور، فإذا قال أحدهم ما يثير زوبعة.. خرجوا علينا ليقولوا أنه سلفى وليس من الحزب.. والعكس صحيح.. وسط هذه الحالة يجرى الإعداد لهجمة شرسة على الصحافة بصفة خاصة وباقى أجهزة الإعلام بشكل عام، من جانب أحزاب الإسلام السياسى التى نجحت فى تأميم ثورة 25 يناير لحسابها! أتحفنا الدكتور «محمود غزلان» المتحدث الرسمى باسم ما يسمى جماعة الإخوان المسلمين.. وأسميها دائما «جماعة المطار السرى».. فهذا وصفى لهم منذ أكثر من 4 سنوات.. كانوا جماعة محظورة.. لكنهم يتمتعون – سياسيا – بما لم تتمتع به الأحزاب الشرعية والرسمية.. ونجحوا فى عقد صفقات سرية أعطتهم 88 نائبا فى البرلمان قبل الثورة.. ثم كان نجاحهم فى فبركة حزب باسم «الحرية والعدالة» بعد الثورة.. يقولون عنه الذراع السياسى لجماعة الإخوان المسلمين.. وقبل أن أناقش إن كانوا يمكنهم أن يكونوا ذراعا، فلابد من معرفة الجسد الذى خرجت منه تلك الذراع.. مطلوب الآن تحديد هوية ومكان ومكانة جماعة الإخوان المسلمين.. فهل هى جمعية أهلية خيرية؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو رقم تسجيلها فى قوائم تلك الجمعيات.. وهل هى جمعية دعوية دينية؟ وهنا سنتساءل عن الجهة التى تشرف على عمل تلك الجمعيات ومصادر تمويلها.. أتحدث هنا عن العدالة قبل الحرية.. أنشد احترام القانون الذى يتحدثون عنه، للحد الذى جعل الدكتور «محمود غزلان» يتطاول على الصحافة.. بل يعلمنا المكان الذى يجب أن نلزمه والطرق التى يمكن أن يحاسبنا سيادته بها، باعتباره متحدثا باسم جماعة لا نعرف كنيتها فى المجتمع! إذا كانت مصر تنشد بناء دولة بالمعنى الصحيح.. فيجب علينا أن نحدد تعريفا واضحا للدور الذى تقوم به تلك الجماعة غير المحظورة قبل الثورة وبعدها.. وهذا كلام سبق أن قلته قبل الثورة وأردده وأكتب عنه مرارا بعد الثورة.. فالذين يتحدثون عن القانون يجب أن يعرفوا حدودهم وفق القانون.. وعليهم أن يطلعونا على تعريف حالتهم.. فما معنى أن يكون فى مصر مرشد عام لجماعة لا نعرف لها أول من آخر.. لا نعرف حدودها سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا أو دينيا.. للحد الذى جعلهم يحاولون فرض الأمر الواقع علينا، بحيث يصبح المرشد العام على النهج الإيرانى.. فيصبح عندنا فى مصر رجل فوق المؤسسات والقوانين والدستور.. مع احترامى وتقديرى للذين يهللون بأن الديمقراطية أعطتهم أغلبية.. فمن حقى أن أسألهم: هل مارستم الديمقراطية داخل حزبكم الفائز بالأغلبية؟ وهل فى الديمقراطية مرشد عام يملك القدرة على أن يقول فيسمعه الجميع مع واجب الطاعة دون مراجعة؟ كل هذه الألغاز لا يمكن أن نمر عليها مرور الكرام، مادمنا أننا قررنا وتوافقنا واتفقنا على أن مصر دولة ديمقراطية.. بغض النظر عن الخلاف حول مدنية حديثة او علمانية او ليبرالية، وغيرها من الكلمات التى يصطادونها لتفجير الأزمات حولها وباسمها بممارسة لعبة خلط الأوراق. أعرف وأفهم أن لدينا حزبا اسمه الحرية والعدالة فاز بالأغلبية.. لكننى لا أعرف ولا أفهم ما هى جماعة الإخوان المسلمين وصفتها فى المجتمع.. وأعرف وأفهم أن لدينا حزبا سياسيا يحمل اسم النور.. لكننى لا أعرف ولا أفهم ما هى الدعوة السلفية تلك التى يتحدث باسمها عشرات فى السياسة.. وأعرف وأفهم أن جماعة الإخوان المسلمين بالأحزاب المفقوسة عنها.. وحزب النور كفقس للدعوة السلفية.. سيمارسون الديكتاتورية فى أبهى صورها.. فهم يعترفون بمن يعلنون السمع والطاعة لهم.. ومن لا يفعل ذلك يكفرونه ويسحبون منه حق المواطنة.. كل هذا مفهوم.. لكن غير المفهوم أن تستمر تلك الحالة من المناورات السياسية، لننتهى كالبلهاء رافعين الراية البيضاء ومسلمين أمرنا لفضيلة المرشد وله تسوية أمور الوطن مع من يسمون أنفسهم شيوخ الدعوة السلفية.. سيحدث ذلك لنكتشف أننا استجرنا من الرمضاء بالنار.. فإذا كان الحزب الوطنى قد سقط بثورة 25 يناير.. فالوجه الآخر له قد ابتلع ثورة 25 يناير.. وبرهانى على ذلك ما سيحدث يوم 25 يناير القادم.. سينزلون إلى الشوارع لمواجهة الشعب وشباب الثورة وقمعه بأيديهم، وبذلك سيقومون بدور «حبيب العادلى» وكتائب الأمن المركزى.. سيحدث ذلك ولن تنتهى الأزمة فى مصر بل ستبدأ.. وظنى أن الذى خلق هذا المناخ وهيأ المسرح.. لن يكون بحاجة إلى تعطف جماعة الإخوان المسلمين عليه بأن يجعلوا له وضعا خاصا فى الدستور.. فالدستور وفق ما يرى الدكتور «محمود غزلان» لا حصانة فيه إلا لسلطات: التشريع والقضاء والحكومة.. لكنه وفق رؤية الدكتور «عصام العريان» يجب أن ينص على وضع خاص للقوات المسلحة.. والحقيقة التى هى فوق الدستور وكل القوانين.. أن الوضع الخاص والحصانة لن يتمتع بهما فى مصر غير جماعة الإخوان المسلمين ومرشدها العام.. وعلى كل السلطات والأحزاب.. بل حتى الشعب كل التحية والسلام!