أتابع عجباً.. اقرأ مندهشاً.. مبهوراً.. مصدوماً.. وأنتظر ردوداً، فلا أجد غير الصمت الجبان! فجأة يزور مصر «جون كيري» أقدم سيناتور أمريكي – وهو بالمناسبة كان مرشحاً للرئاسة ببلاده – يهبط الرجل علي أرض مصر.. نسمع أنه تباحث مع المشير ورئيس الوزراء، ثم ذهب إلي حيث دار جماعة الإخوان المسلمين أو الحزب المفقوس عنها – كليهما واحد – ولم يطرح معلق سياسي واحد.. أو أي مراقب في واشنطن أو العواصم الأوروبية، ولا حتي داخل مصر.. كيف يمكن لشخصية أمريكية رفيعة المستوي بهذا الحجم، أن تتدخل في الشأن المصري وتستبق الأحداث بحوار ومباحثات مع المتوقع فوزه في الانتخابات؟ كلنا تعاملنا مع الأمر علي أنه خبر.. فاغتيال الشرفاء في ميدان التحرير خبر.. وتعيين الفلول في مواقع المسئولية خبر.. وحرق المجمع العلمي خبر.. والجرائم من أطفيح إلي إمبابة، مرورا بالبالون وماسبيرو والسفارة الإسرائيلية.. وليس انتهاء بما حدث في شارعي محمد محمود ثم مجلس الوزراء.. هي أخبار.. هل فكرت أي خبر فيها هو المدوي، وأيها مجرد معلومة بسيطة؟ بالتأكيد لم تكن لديك فرصة لتلك اللحظة من التأمل.. لذلك فات علينا أن «جون كيري» يتفاوض مع الحكام المنتظرين – الموعودين – وكم كان مثيرا أن البيت الأبيض بعدها بأيام، أعلن أن الحوار الأمريكي مع جماعة الإخوان المسلمين بدأ في شهر مايو من عام الثورة المخدوعة! هضمنا الخبر الذي لم نقدر حجم دسامته.. لم تعلق وزارة الخارجية المصرية.. لم يعلق ناطق باسم المجلس الأعلي للقوات المسلحة.. لم يطرح السؤال مراقب أو حتي ساذج سياسي. أيام قليلة ثم نسمع عن حوار بين حزب النور السلفي وإسرائيل.. الخبر تهب رياحه من تل أبيب.. تصدر تكذيبات من حزب النور السلفي.. وإعلان عن إيقاف المتحدث الرسمي باسم الحزب.. ثم يعاود المتحدث الرسمي نشاطه دونما أدني معلومة عن سبب الإيقاف أو سر عودته.. وبين تكذيب المتحدث باسم حزب النور وعودته لاستئناف نشاطه.. كانت التأكيدات أن السلفيين يحترمون معاهدة كامب ديفيد.. لكن هذا عند الغرب لا يكفي.. تخرج علينا «كاترين آشتون» وهي كبيرة كبار الاتحاد الأوروبي سياسياً ودبلوماسياً، لتقول: «نحن نتفاوض مع جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين منذ 10 شهور»! لم تكتف السيدة بذلك.. بل ذكرت علي سبيل الحصر عدة عواصم التقت فيها رموزهم.. وأسهبت في شرح ملامح التفاوض.. كل هذا يحدث بينما إخواننا في جماعة الإخوان المسلمين وأحزابها المفقوسة عنها.. وجماعة السلفيين بأحزابها المفقوسة عنها.. لا ترد ولا تنطق ببنت شفه.. فهم مشغولون بخداع الأمة وشغلها وحرق أعصابها بحكايات: المايوه البكيني وفرض الجزية علي غير المسلمين.. ثم فتاوي عدم السلام والتهنئة للإخوة المسيحيين.. هم يقولون ذلك في الوقت الذي كانوا يتفاوضون فيه في عواصم المايوه البكيني وشرب الخمور باعتبارها كالماء الزلال.. وبالتأكيد كل رموزهم من المسيحيين! كل هذا مهم جداً.. وليت العقلاء يفكرون.. لكن الأكثر أهمية وخطورة، هو أن شباب مصر الذين أشعلوا ثورة 25 يناير كانوا يتعرضون لحملات مكثفة من التشويه والضرب المبرح ليسقطوا بالمئات كجرحي.. بل أيضا بالمئات كشهداء.. نحن إذن امام لوحة تكتمل تفاصيلها. «الشعب المصري الشقيق» قام بالثورة يتقدمه شبابه.. بينما عملية «نشل» الثورة وتصفيتها بدأت بعد ساعات من رفع المخلوع الراية البيضاء.. تتكشف الحقائق.. سنكتشف أن شعبنا بقيادة شبابنا، كانوا يمارسون فعلاً وطنياً وثورياً واضحاً بالضرورة.. بينما الغرب يرتب لأوضاعه ومصالحه في المستقبل مع الأطراف التي يعرف قدرتها علي الالتفاف علي أي فعل لا يفهمه الغرب في واشنطنوعواصم أوروبا! المثير في الحكاية ان جريدة «روز اليوسف» ستكون المصدر الاول لتقديم الحقائق وفصول هذا الإبداع – لن أقول المؤامرة – فقد تابعت الجريدة أخبار الثورة بروح شبابية دون سبق إصرار او ترصد – كشأن جميع الصحف – لكن «روزاليوسف» ستتفرد بأن صفحاتها حملت تفاصيل كل عمليات الالتفاف علي الثورة مع سبق الإصرار والترصد – ولو أنني حاولت ترشيح واحدة من الرسائل العلمية الرصينة والمحترمة.. سأدعو باحثا جادا.. يتقدم لنيل أطروحة الماجستير أو الدكتوراه، فيقدم حكاية الثورة المصرية داخليا وخارجيا عبر ما حملته تلك الجريدة.. وقد يثير ذلك لعابي لأتقدم متفرغا لتقديم تلك الأطروحة.. لكنني أتركها لواحد من الشباب وهو سيكون أقدر علي التحليق في سماء الخيال وتحليل المعلومات وتتابعها كما سيكون الأقدر علي كشف سر تلك الغيبوبة التي عشناها في زمن المخلوع.. وبقينا في توابعها.. وقد يكتشف الباحث أن الذين يحرمون الخمور، التقوا مع الذين لا يكفون عن تناول الخمور عند نقطة تمثل مركز الدائرة.. لا تحزنوا فالحقيقة أن الثورة المصرية دخلت دائرة مغلقة بعد ساعات من نجاحها!