عندما أصر المجلس العسكري علي إجراء الانتخابات الحالية في موعدها ولم يستجب للأصوات التي كانت تناشده تأجيلها لفترة وجيزة لالتقاط الأنفاس وتنظيم الصفوف بعد أحداث التحرير ومحمد محمود في نوفمبر، فقد اتسم هذا الإصرار من قبل العسكري مع وضوح النتائج التي كانت ستترتب علي هذه المقدمات بمزيد من الغموض والالتباس. ونظراً للطبيعة التي تتميز بها العملية الانتخابية فإننا لا بد أن نعرض المحورين اللذين لا يمكن الفصل بينهما في هذا الصدد، تبياناً لهذه الطبيعة وتوضيحاً للأمر في مجمله حتي يتسني لنا تقييم حجم الإنجاز أو الإخفاق. وهذان المحوران يتمثلان في إبراز ذلك الطابع المزدوج لها الذي يتمثل في الجانب السياسي والجانب الإداري. فأما عن الجانب السياسي فهو من نصيب السلطة الحاكمة متمثلة في المجلس العسكري وحده وأما الجانب الإداري فتختص به - شكلياً - اللجنة العليا للانتخابات في إطار الإرادة السياسية لهذا المجلس. وهذه العناصر محل لاعتبار علي النحو السابق لا بد من اعتبارها بمثابة نقاط حاكمة وإلا صار بحثنا عبثاً. وإذا تناولنا الجانب السياسي فإننا نستطيع أن نقرر أن تلك الانتخابات في ضوء ما صاحبها من أحداث وما اقترن بها من ظروف كانت معلومة النتائج مسبقاً، ذلك أن من المعلوم أن هناك قوي متربصة للانقضاض علي السلطة في مصر والسطو علي الثورة وأن هذه القوي قد تمثلت في تلك التيارات الدينية المتأسلمة سواء في جماعة الإخوان المسلمين أو التيار السلفي. وإن هذه القوي بأسلوبها الإقصائي قد وجدت مرتعاً مناسباً لذلك متمثلاً في المناورة والعزف علي أوتار الفقر والظلم والدين والجهل وأنها بهذه الكيفية قد سيطرت علي الشارع الانتخابي سيطرة كاملة بحيث يصير من المقطوع به أن هذه الانتخابات لن تفرز برلماناً يعبر عن الإرادة الشعبية في حقيقتها بل يعبر عن مدي تفشي هذه الأمية السياسية والأبجدية وعن مدي ثقافة هذا الناخب المغيب والمخدوع إذ اختلط فيها الشأن الديني بالسياسي والدنيا بالآخرة والجنة بالنار والكفر بالإيمان جميعها في خلطة شيطانية عشوائية عبر منظومة من العمل السياسي الانتهازي القائم علي استثمار الجهل والفقر والمرض والحاجة المنتشرة بكثرة في ربوع مصر. وإذا كانوا يروجون لإقامة الدولة الإسلامية باعتبارها ركناً من أركان الإسلام فالعجيب أنه لم يتطوع أحد من أفراد النخبة السياسية ليجيب لنا عن السؤال الجوهري الذي يثبت فساد هذا الطرح وهو يتعلق بحالة إذا ما فشلت الدولة ككيان سياسي فهل يعني ذلك سقوط الدين الإسلامي بالتبعية لذلك وعدم صلاحيته لانهيار ركن من أركانه. وإذا كان ما أشرنا اليه في عجالة علي النحو السالف يمثل الجانب السياسي للأجواء الانتخابية الملابسة فإنه يبقي لنا المحور الثاني باستعراض الجانب الإداري الذي اختصت به اللجنة العليا للانتخابات ولا أظن أنني أبالغ إذا قلت إنها - أي الانتخابات الحالية ومن هذا الجانب - قد جاءت في ذيل القائمة مقارنة بما سبقتها من عمليات انتخابية سابقة حيث شابها القصور والسلبيات التي كان اغفالها أو التغاضي عنها لا يمكن تفسيره إلا بوصف العمد والقصور والتردي فيه إلي درجة الأمية الإدارية.