كان أبرز ما أفرزته الأحداث خلال الأيام الماضية دخول حزب النور السلفى فى دوامة الصراع على شاشات الفضائيات لابعاد تهمة تشدده بعدما نسب إليه بعض نشطاء ال«فيس بوك» تمويله كما يعرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وهو ما اعتبره الحزب محاولة لتشويه صورته قبل بدء المرحلة الثالثة من الانتخابات البرلمانية. ورغم الرفض لهذه الفكرة فإن صفحة هذه الهيئة التى أنشئت منذ أيام قليلة تحظى بعدد كبير من المنظمين لها على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك». وكان الملاحظ أن جميع القوى السياسية سواء الإسلامية أو الليبرالية رفضت هذه الهيئة واختلفت فى تفسير ظهورها. قال عبدالغفار شكر القيادى بالجمعية الوطنية للتغيير إن إنشاء هيئة من هذا النوع يتعارض مع الإسلام تبتدعها جماعات لها فكر معين شعرت أنها قوية فى المجتمع، لافتًا إلى أن حزب النور عندما اكتشف أن المجتمع رافض لهذه السلوكيات أكدت تبرؤه منها وهى ظاهرة ايجابية تعبر عن اهتمامهم بكل فئات المجتمع المصرى، وتحتاج لمواجهة قوية من الناس أنفسهم إلى جانب القوى السياسية وكل عناصر الدولة. واعتبر محمد عباس عضو المكتب التنفيذى لائتلاف شباب الثورة أن الإعلان عن هذه الهيئة واصرارها على التبعية لحزب النور رغم تبرئه منها منافسة سياسية غير شريفة ضد الحزب. ووصفها ببالونة مدسوسة على الحزب فى إطار الصراع السياسى الاجتماعى. ومن جانبه قال د.عاصم عبدالماجد المتحدث الإعلامى باسم الجماعة الإسلامية إن هذا الاتهام مفبرك خاصة أن حزب النور نفى ذلك لكنه أشار إلى احتمالات أن يكون هذا أحد ألاعيب نجيب ساويرس كما فعل مع الإسلاميين. وأشار عبدالماجد إلى أن الإعلام العلمانى هو من فعل ذلك وحاول افتعال أزمة من لا شىء لأن القضية موضوع البحث تم نفيها تمامًا من قبل حزب النور، لكنه لم يفصح عن رأى جماعته فى تطبيق وجود مثل هذه الهيئة الخاصة بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. ومن جانبه نفى أشرف ثابت عضو الهيئة العليا لحزب النور علاقة حزبه بكل ما طرح من بيانات عن هذه الهيئة المزعومة مؤكدًا على عدم تقديم حزبه لأى تمويلات خاصة بهذه الصفحة التى دشنها مجهولون على ال«فيس بوك» موضحًا أنها مكذوبة لأن الحزب يدعو للشريعة الإسلامية بمرجعية الأزهر الشريف، وبالتالى من أسس هذه الصفحة لا ينتمى إلى حزب النور بل وله أهداف خاصة باعتبار أن هذه إحدى حلقات الحرب الشرسة وغير الأخلاقية ضد الحزب. أما باسل عادل عضو المكتب السياسى لحزب المصريين الأحرار فقال إن الإعلان عن مثل هذه الهيئة ما هو إلا بالون اختبار للمصريين من قبل حزب النور لذا تبرأ منها نتيجة لرفض الشعب هذا الأسلوب، مؤكدًا أننا لا نريد نظاما سعوديا فى البلاد لأنه سيلاقى مقاومة عنيفة ولفت عادل إلى أن تشدد حزب النور تسبب فى ضعف النتائج عن المرحلة الأولى فهم يعانون الآن من حالة جمود فكرى. وقال معاذ عبدالكريم عضو ائتلاف شباب الثورة: إن تطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يحتاج إلى جماعات خارج إطار الدولة فهناك نصح باللسان وليس بالعصا بمعنى أن من يخالف هذه القواعد لا يعاقب سياسيًا ولكن هناك دوراً توجيهيا يقوم به الأزهر الشريف لتقويض هذه الأمور رافضًا محاولات البعض إقحام النموذج السعودى الذى لا يتلاءم مع الواقع المصرى لأن الشعب متدين بطبعه. بينما اعتبر الخبراء الامنيون هذا الاتجاه أمرا متأصلا داخل قناعات الجماعة السلفية وقال اللواء سامح سيف اليزل الخبير الأمنى: إن هناك اتجاها لدى السلفيين بالنزول إلى الشارع وتقويم المجتمع والتأكد من تطبيق الشريعة، مؤكدًا عدم اتفاق هذا مع رغبة الشارع الذى أصبح أكثر نضجًا ولن يقبل أن يقومه أحد. وأكد الليزل أن الشعب الآن ينادى بحرياته وفكرة إجبار أحد على أمر معين غير واردة لأن الشعب لن يتقبلها فعلاقة الإنسان بربه أمر شخصى. ودعا اليزل إلى ضرورة التصدى لهذه المفاهيم، مشيرًا إلى أن نفى حزب النور لصلته بهذه الصفحة ليس كافيًا لأنه لم يصدر بيانًا يرفض فيه هذه التصرفات. فيما قال اللواء أحمد عبدالحليم الخبير الأمنى: إن إعلان هذه الأفكار يعيدنا إلى حالات الإضرابات الشديد التى عشناها بسبب هذه الأفكار فى فترات سابقة فمصر دولة مدنية تعتمد على الدين وليس الضرب بالشوم فهم يريدون العودة بنا إلى عصور الجاهلية فهذا ليست له علاقة بتخصيص شرطة لهذا الأمر. وقال اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجى إنه لابد من التفرقة بين وجود مجموعة تأمر بالمعروف وجماعة تحاول فرض الأمر بالمعروف وهذا أمر مخالف للشرع الذى طالبنا بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، مشيرًا إلى أن النور غره النصر الذى حققه فى الانتخابات حيث إن مؤيديه انتخبوه ليس لبرنامجً سياسيً وإنما لخلفية دينية، وبالتالى يحاول الحزب فى وقت مبكر تطبيق ما انتخبه لأجله مؤيدوه. فيما رفض علماء الدين ومشايخ الأزهر هذه التوجهات المتشددة وقال الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق إن الحديث عن وجود هذه الهيئة شكل من أشكال الإجرام فى المجتمع وإرهاب شديد للمواطنين لافتًا إلى أن الإعلان عن عملها فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر محاولة للترويع من مجموعة من المجرمين يهددون بضرب الناس بالكرابيج والعصى فى الشارع فى دولة لها حضارة منذ آلاف السنين نقل منها العالم حضارته. وأكد عاشور أن ظهور هذه الهيئة يضع مصر فى مواجهة فتنة ومحنة، محملاً الدولة مسئولية التصدى لها من خلال مؤسساتها الحكومية لتحجيمها قبل تقسيم مصر إلى دويلات صغيرة تتحكم فيها مجموعات مجهولة لا يعلم أحد أهدافهم. وأوضح عاشور أن الأزهر الشريف ليس جهة مواجهة وإنما هو المسئول عن الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وليس الدعوة باستخدام العصا التى تهدد بها تلك الهيئة المجهولة. كما اعتبرت د.آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة العميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بنات الهيئة «فكرة مستوردة» ضمن العديد من الأفكار المستوردة التى اعتاد بعض الجماعات المجهولة استيرادها من بلاد الجوار فى الوقت التى بدأت هذه البلاد فى التنصل منها، متسائلة إذا كانت المملكة التى ابتدعت هذه الهيئة تتخفف منها الآن فكيف نسمح بفرض ثقافات عفى عليها الدهر وتختلف جذريًا مع طبيعة الشعب المصرى. وأوضحت نصير أن هذه الجماعات التى لا تعلم شيئا عن وسطية الإسلام أو صحيح الدين يستغلون حالة الانفلات الأمنى الذى تعانى منه البلاد ومساحة الحرية ليفرضوا على الشعب ما تشتهى أنفسهم بحثًا عن السلطة والسطوة، ووصفتها بالفوضى العقائدية التى تحتاج تكاتفًا من الدولة والأزهر فى التصدى لهذه الظاهرة الخطيرة. فيما أكد د.عبدالمعطى بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية والعميد الأسبق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر أن «الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر» موجودة فى مؤسسات الأزهر والأوقاف والتى يتضمن كل منها دعاة يعملون فى ادارات للوعظ إضافة لمشايخ يجوبون النجوع والقرى تحت إشراف ما يزيد على 100 ألف مسجد، لافتًا إلى أن ظهور مثل هذه الهيئة هو محاولة للتقليد والمحاكاة لما هو موجود فى بعض الدول لاجبار الناس على أداء العبادات فيما يعد تدخلاً فى العلاقة بين الله والإنسان. وأكد أن اقتراح إنشاء الهيئة اقتراح سطحى صاحبه لا يفهم الإسلام فهمًا صحيحًا لأنه يمثل اعتداء على خصوصية العبادات ومن لأنه تكريث العنف فى الشارع بين المواطنين وبعضهم وبعيدة كل البعد عن الإسلام أو الدعوة.