التحقيق من إعداد : علياء ابو شهبة - شيماء عدلى - نهى عابدين أحمل بين جنباتي رصاصة سأظل أعيش بها مدي حياتي وأنا أحتفظ بطلق ناري يسكن بين احشائي ناهيك عن شظايا خرطوش ورصاص مطاطي من قمة شعري وحتي أخمص قدماتي رأيت الوطن في ذاتي ورأيت كل الناس اخواتي وهرعت الي التحرير من جديد غير مبال بخطواتي اصبت وهان علي ما لقيت حين استشهد زملائي والناس من حولي كالعرس والثوار نبراسي ثم ما لبثت اقلب كفا علي كف! بعد انفضاض الجميع ورأيت دمي ينزف ولا احد يئن لأناتي قد ضاع دمي هدرا حين بدأ عرس الانتخابات عبد الرحمن أصيب بعد دقائق لنزوله الميدان بطلقات فتي صغير لا يسعك إلا أن تمسح علي رأسه أو تلاطفه وربما تلعب معه ولكن تتوقف للحظة لتكتشف انك في قسم الرعاية المركزة بمستشفي المنيرة العام، وهذا الجسد النحيل لا يقوي علي الحركة فبدلا من أن يقبل علي الحياة سلبتها إياه القوة الغاشمة الظالمة هادئ الطباع ودمث الخلق ووحيد الوالدين علي شقيقات فتيات ليكون المدلل والفلذة لأبيه البسيط الذي ترك كل شيء ليلازمه. من عساه أن يقتل هذا الفتي البالغ من العمر 17 عاما الذي بدلا من أن يستعد لدخول الجامعة دخل المستشفي. بدلا من أن يعين والده البسيط الذي يعمل بيومية علي سيارة أجرة اجبره مرضه أن يترك عملة ليرافقه في المستشفي، بدلا من أن يسعد والدته وشقيقاته جعلهن يبكين عليه. إنها مأساة عبدالرحمن محروس سيد طالب في الصف الثالث الثانوي الذي طلب أن ينزل للتحرير برفقة والده ولكن لسوء الحظ انشغل الأب ونزل الابن منفردا يوم الاثنين الماضي ولم تكن إلا لحظات وما إن وطأت قدماه شارع ريحان حتي فوجئ بالغازات ورأي شبابا بقذف حجارة وطوب وبعدها وقع علي الأرض وشعر بفقدان ساقيه ليحاول الوصول إلي اي عقار للاحتماء فيه وما إن هرع إليه احد الشباب لنجدته حتي أصيب هو الآخر ولفظ انفاسه الأخيرة في ثانية، لم يتحرك عبدالرحمن من هول الصدمة لتنقله الإسعاف ويري بنفسه أحشاءه أمامه. نقل عبدالرحمن للمستشفي ووجد الأطباء أنه أصيب بطلق ناري و35% من الأحشاء متهتكة وتمت إزالتها في جراحة عصيبة استمرت ثلاث ساعات وعلي الرغم من مرور أسبوع علي الجراحة لم يقو عبد الرحمن علي تحريك ساقه اليسري لتكون اللغز الذي اثار والده وجعله يتساءل عن طبيب مخ وأعصاب ليكتشف عدم وجود هذا التخصص في المستشفي ولتفاجئه الصدفة بوجود رصاصة خرطوش في الظهر. انهار الأب باكيا: أجيبوني كيف تجاهل الأطباء هذه الرصاصة ؟ أم تناسوها وربما لم يشاهدوها وما هو الحل لابني وهل مصير ابني أن يفقد قدميه؟ أين اطباء المستشفي الذين يجب أن يراعوا مصابي الثورة؟ وهل من المنطقي أن يختفي الأطباء أيام الإجازات تاركين المرضي لا حول لهم ولا قوة؟! أليس من الظلم أن يصاب ابني من وزارة الداخلية وان يتجاهله أطباء وزارة الصحة فمن سيراعي مرضانا وهل الحل أن نقتل شبابنا؟! هدأت من روع والد عبد الرحمن الذي لم يتمالك نفسه من الدموع لألتقط أطراف الحديث مع عبد الرحمن الذي فاجأني بمقولة "هي عيشة وموتة واحدة" ولا اتمني أن أعيش أو أموت ويكفيني أنني شاركت في الثورة لم ولن اندم ، وارفض أن يتعامل معه كطفل فأنا علي دراية بمطالب الثوار وحقوقنا وكلنا كمصابين نصر علي موقفنا مهما أصبنا. أحمد هشام خرج ليشتري الخبز فعاد وأمعاؤه خارج جسده "أنا عايز أنزل التحرير.. بلاش تنزل خليك في البيت أحسن.. طيب مش محتاجة عيش.. أنزل اشتري بس اوعي تتأخر"، هذا هو نص الحوار الذي دار بين الطفل أحمد هشام وجدته التي يعيش معها قبل أن يأتيها بعد هذا الحوار بساعات محمولا علي الأيادي و كل أمعائه خارج جسده. أحمد هشام طفل لم يتجاوز عمره 12 عاما من سكان حي السيدة زينب ألح علي جدته التي يقيم معها و إخوته الثلاث بعد وفاة أمه النزول إلي ميدان التحرير والذي اعتاد النزول إليه خلسة دون علمها بعد رجوعه من مدرسة المنيرة الإعدادية و لكن في أحد الأيام لم يتمكن من ذلك، حتي جاءته فكرة التحجج بشراء الخبز. وفي ميدان التحرير يروي أحمد أنه هتف دون أن يشعر بنفسه و كان مقاربا لشارع محمد محمود ولكنه كان غير عابئ برائحة الدخان القاتلة وفجأة وبدون أن يشعر أو يري من أصابه شعر بوخز سكين يأتيه من جانبه الأيمن فقد بعدها الوعي و لم يشعر بنفسه. أما الجدة التي ظلت في المنزل تعيش لحظات من القلق والرعب علي أعز الولد لن تنساها أبدا فقد جاءها عدد من الشباب المتظاهرين حاملين حفيدها بعد أن دلهم علي العنوان قبل أن يفقد الوعي، وكانت تفوح منه رائحة الخل وأمعاؤه تتدلي من جسده وينزف بشدة فصرخت وذهبت به علي الفور لمستشفي المنيرة الذي استقبله وأجريت له عملية جراحية واستكشاف إضافة إلي ما يلزم من إسعافات حيث احتاج لعملية نقل دم ليعوض ما فقده خلال الإصابة. الطفل أحمد هشام يرقد حاليا في سريره حيث يتغذي علي المحاليل فقط، وبجواره جدته التي لم تتلق أي تعويض ولا تعرف ماذا تفعل فبعد أن تجاوزت صدمتها لا تبحث إلا عن خروجه سليما من المستشفي، ورغم لحظات الألم والفزع إلا أنها تؤكد و هي باسمة أنها فخورة بما فعله حفيدها لأنه احد الشباب الذين يحبون بلدهم بصدق ومستعدون لفدائه بدمائهم. كلنا عيونك يا حرارة دعوات الملايين من المصريين ترافق البطل احمد حرارة فى غرفة العمليات اثناء الجراحة التى اجريت له امس