رغم صعوبة تصديق غير المعقول، إلا أن شعب مصر، والأغلبية المثقفة منه، قد صدقوا غير المعقول! وكأن لسان حالنا يقول "رضينا بالهم، والهم مش راضي بينا" شيء من الخيال، أن تصدق بأن نواباً منتخبين من الشعب علي أسس دستورية، غير مقبولة من الشعب، ومع ذلك، فإن هؤلاء النواب أو هذا البرلمان، سوف يقوم بنفسه بوضع دستور يلغي فيه امتيازاً حصلوا هم بالأصل عليه! شيء من الخيال العبثي إذا قدر للراحل المرحوم " توفيق الحكيم" أن يكتب في اللا معقول والعبثية، كمسرحية " البقرة فوق الشجرة " لن يستطيع أن يصل بفكره لوضع مثل هذه التراجيديا اللامعقولة في دراما تمثل حياة سياسية لشعب من شعوب العالم الذي يعيش في أوائل القرن الواحد والعشرين، خاصة إذا كان بالأخص هذا الشعب متهماً بأنه قد قام بالثورة ضد الاستبداد، والظلم، وأيضاً ثورة ضد اللا معقول، والتصديق علي توريث السلطة في النظام الجمهوري! لا يمكن تصديق ذلك، ومع ذلك ارتضينا إستفتاء علي وهم تعديل دستوري لسبع مواد أو ثماني، وخرج المتلهفون علي السلطه، والممنوعون سابقاً في نظم سياسية محتكرة للسلطة، خرجوا كي يرهبوا البسطاء من المصريين عقب نجاحنا في التكاتف كشعب لإسقاط العاتية من أبراجها فوق السلطة. استطاعت هذه التنظيمات أن تلهب مشاعر الناس وساعدتهم علي ذلك خبرات سياسية ضعيفة في إدارة شئون البلاد، بأن من يقول (نعم) سوف يدخل الجنة، ووضعوا له دائرة خضراء علي بطاقة الاستفتاء لكي تدلل علي قبول (النعم) عند الله!. أما من يقول (لا) فهذا مصيره جهنم وبئس المصير، ويدعو للعلمانية والشذوذ الجنسي والسيطرة علي أمة" محمد عليه الصلاة والسلام "(لا قدر الله ذلك أبداً)! ووضعوا علامة الدائرة السوداء لكلمة (لا) مستدعين بساطة المستفتي المصري، وهكذا نجحت الأغلبية لأول مرة في أن تقول "نعم" للانتخابات أولاً، والدستور ثانياًً، وهذا أيضاً لم يستمر كثيراً، حيث قام المسئولون عن البلاد بإهدار المواد السبع المستفتي عليها من الدستور (القائم) دستور 1971 المعدل، في عصر مبارك أخيراً، وصدر بيان دستوري من أكثر من 68 مادة، لاغياً كل ماسبق! ومع ذلك ارتضينا كمثقفين مصريين وأغلبية بأن الانتخابات سوف تتم، وعليه فإن لجنة تأسيسية سوف تقوم، بوضع الدستور وبعدها يحلها حلاّل، نحو حل مجلس الشعب مرة أخري، واختيار نظام حكم جديد للبلاد يترتب عليه مجيء رئيس جمهورية إما مطلق أو شرفي كما سيأتي به الدستور الجديد! ومن هنا، وجَبَ أن نتدخل كمصريين في وضع بعض الأسس، حتي لا يقوم البرلمان القادم بأغلبيه، مهما كانت بوضع دستور البلاد، فالدساتير لا تضعها الأغلبية، ولكنها تتم بتوافق الجميع، كل من يعيش علي أرض مصر يجب أن يتوافق مع دستور البلاد، حتي لو كانت نسبتهم 1% فهذا حق تعاقدي تضعه الأمة وتنبثق منه القوانين.