حديثه كحواديت الجدات سبح بنا عبر التاريخ واستحضر الماضى فى صور حية نقلتها إلينا أوراقه مابين كتب التجسس والتجسس المضاد غاص «البحار مندي» ليكشف لنا تفاصيل عالم مواز لعالمنا بدايته ونشأته وأقسامه فى «رأفت الهجان»..قوانينه وأصول الحركة فيه «الصعود إلى الهاوية «و»دموع فى عيون وقحة» وبرع فى تصوير تاريخه وعملياته وقصصه ومخاطره وأساليبه فى قضية سامية فهمي» وألقى الضوء على مدارسه وغرائبه فى «الحفار» اطلع فأطلعنا ونسج من واقعها دراما مست أوتار قلوبنا والهبت مشاعرنا الوطنية عن بطولات أبناء مصر الذين يعملون فى الظل وفى صمت دون ضجيج....إنه بحار الجاسوسية ياسادة «صالح مرسى».. البيئة التى عاشها الروائى صالح مرسى ألهمت خياله الخصب فخرجت لنا رواية «البحار مندي» عندما التحق بالبحرية التجارية، وجاب البحار لسنوات، فانعكست على كتاباته فى ذلك الوقت، مثلما رأيناها أيضًا فى روايته «زقاق السيد البلطى»،بعد مرحلة عمله فى البحرية ثم دراسته للآداب، واشتغاله فى الصحافة حيث عمل فى مجلة صباح الخير ثم مجلة المصور وحتى وفاته كان يعمل فى دار الهلال. أدب الجاسوسية ولم تأخذ رواياته السابقة حقها من النقد والتقييم، ولم تحظ كتابات صالح مرسي، الذى وُلد فى مدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية فى 17 فبراير عام 1929، بنفس الشهرة التى حظى بها، عندما قرر أن يخترق مجال الجاسوسية،وقد دعمه فى ذلك أنه كان يعمل مع جهاز المخابرات العامة المصرية، فيما يخص الروايات الخاصة بالجهاز، ويعتبر من المدنيين الذين عملوا مع المخابرات المصرية. ومنذ ذلك الحين برع الروائى صالح مرسى فى كتابة أدب الجاسوسية، وتحكم فى أدواته، فتقاسمت السينما والتليفزيون رواياته التى منها «حرب الجواسيس»، و»دموع فى عيون وقحة»، و»رأفت الهجان»، من ثلاثة أجزاء، الأول عام 1987 والثانى عام 1990، أما الجزء الثالث فكان عام 1991، وفيلم «الصعود إلى الهاوية»، وغيرها من الأعمال الروائية الخالدة. وتروى السيدة «وجيهة فاضل «دربه فى حوار سابق لها عن بدايته مع الكتابة لروايات من ملفات المخابرات مع «الصعود إلى الهاوية» فقالت: كانوا يمدونه بالنقاط الأساسية فقط عن العمليات بما تقتضيه قواعد السرية، ثم يبدأ فى عمل نسيج لهذه النقاط وبناء شخصيات وعلاقات ما بينها من خياله، وتشير إلى لقائه بزوجة رأفت الهجان وتحكى قائلة: حين زارتنا زوجة رأفت الهجان كانت متعجبة من دقته فى وصف منزلها فى ألمانيا وسألته «أنت دخلت بيتى من قبل؟» فأجابها بالنفى، فقالت أنه وصف بيتها بدقة متناهية ولا يوجد فارق بين ما كتبه وبين الواقع إلا فى لون البيانو حيث أن لون البيانو الخاص بها أبيض بينما ذكر صالح أن لونه أسود! ويدل ذلك على أن خياله كان خصبا فى وصف الأماكن.و رغم حبه للكتابة الأدبية أكثر من كتابة السيناريو إلا أنه كان يعتبر الدراما وسيلة لتحقيق جماهيرية أكبر لأفكاره وتوصيلها لأكبر عدد من الناس. حبه ل«رفعت الجمال» من أحب الشخصيات التى كتب عنها مرسى هى شخصية رفعت الجمال، عندما حصل من المخابرات على عملية “رفعت الجمال التى تحكى الخطوط العريضة لبطولته ؛أول جملة قالها لرفيقة عمره “وجيهة فاضل “أحنا مش رجالة …الرجولة موجودة مع الناس دول هما الابطال الحقيقيين»…الإعداد لكتابة القصة استغرق الكثير من الوقت فى جمع كل المعلومات والبحث عن أدق التفاصيل .ومن المعروف أنه يملك مكتبة كبيرة من الكتب الخاصة بعالم المخابرات ؛بعد نشر القصة تعرض صالح مرسى للعديد من الضغوط الصهيونية وتكذيب الموساد والصحف الإسرائيلية لما كتبه ؛بل الأمر تعدى ذلك بإرسال صحفيين من جنسيات مختلفة له ؛ولكنه كان يعلم أنهم تابعون للموساد. بعد نشر القصة كان من المفروض قيام عادل أمام ببطولة المسلسل ولكنه كان رافض لاستخدام أسلوب الفلاش باك ولكن صالح مرسى أصر على رؤيته ليذهب المسلسل إلى محمود عبد العزيز ليصبح علامة فارقة فى حياته ؛صالح مرسى كان رافضا لنشر الاسم الحقيقى لرأفت الهجان ؛كان يريد المحافظة على تلك الهالة له داخل القلوب ؛وعندما جاء أبن رفعت الجمال “دانيال “الى القاهرة رفضت المخابرات المصرية أعطاءه الجنسية ؛وبسؤال مرسى عن سبب الرفض «أكيد لدواعى أمنية وهم يعلمون صالح البلد» سرية الهوية عملية الحفار كان “صالح مرسى” يفضل أن تحول القصة الى فيلم ؛وعند الإصرار على أن يكون مسلسل اعتذر عن كتابة السيناريو وأثبتت الأيام صحة منطقه ؛وبطلة العملية ذكر اسمها الحقيقى ضمن شخصيات الكتاب وهو مختلف تماما عن أسمها الفنى ؛الذى أخفاه غالباً لأنها كانت لاتزال مستمرة فى عملها ،أما سامية فهمى هى ليست “ليلى عبد السلام “التى خرجت علينا معلنة أنها البطلة الحقيقية للمسلسل ؛ فالمخابرات المصرية لم تعلن الاسم كما حدث من قبل مع “الجمال”والهوان ” و”هبة سليم “أو عبلة (فى الصعود للهاوية).. ولكن أكتفت المخابرات بعدم التعليق كما حدث مع بطلة الحفار. حرمانه من جائزة الدولة كان الروائى صالح مرسى كثيرا ما يمزج فى كتاباته بين الفصحى والعامية، وقد حرمته هذه الطريقة من حصول مجموعته القصصية «الخوف» على جائزة الدولة بعد أن تم ترشيحه لها، إلا أن المفكر عباس محمود العقاد قد اعترض عليها رافضًا حصولها على الجائزة، لأن حوارها كان مكتوبًا بالعامية.هذه الواقعة ولم تؤثر عليه سلبا، بل واصل طريقه فى الكتابة الأدبية ويمتلئ تاريخه بنماذج لأعمال لا تقتصر على روايات الجاسوسية فقط مثل روايات «الكداب، البحار مندى، زقاق السيد بلطى»، كان لديه المقدرة على الكتابة بالفصحى والعامية معا. لم يتوقف صالح مرسى عن الكتابة حتى فى لحظاته الأخيرة وهو ما تحكيه وجيهة فاضل قائلة: كان يعمل على رواية جديدة بعنوان «القاهرة 42 «، يكتب فصولها وينشرها مباشرة كل أسبوع فى إحدى المجلات الأسبوعية، فى يوم وفاته كان يكتب أحد فصولها، ولم ينجز سوى 50٪ فقط منها، وفى الرابع والعشرين من شهر أغسطس عام 1996، رحل صالح مرسى عن دنيانا على إثر هبوط حاد فى الدورة الدموية.