وبعد أن كانت السينما هي التي تحاكي الواقع وتنسج أفلامها من حكاياته.. صار الواقع هو الذي يستقي حواديته من السينما.. وأمست مشاهد أيامنا وليالينا الدامية تقلد سينما الأبيض والأسود. هناك فواجع وأحداث كبري تم نقلها نقل مسطرة من الأفلام وكأنها ترجمة حرفية تمت دون تصرف أو خيال من أفلام معروفة ومحفوظة ومعروضة - كل شويه- علي القنوات الحكومية والفضائية فالمشهد الرهيب والمزلزل الذي بدا عليه العقيد المقتول معمر القذافي وهو ملقي عاريا علي أرضية ثلاجة خضار وفاكهة يشبه كثيرا فريد شوقي بطل فيلم الفتوة حين أغلق عليه زكي رستم ثلاجة خضار وفاكهة، مشهد القذافي في ثلاجة الخضار طبيعي وواقعي وإنتاج 2011 .. ومشهد فريد شوقي في الفتوة تمثيل وإنتاج 1957 .. وعليك أن تسأل معي طبعاً: أيهما السينما وأيهما الواقع؟ ومهما كانت الإجابة فالأكيد أن الفيلم سبق الحقيقة بثلاثة وخمسين عاماً. هل توقع أو توهم كل من مؤلف الفيلم وبطله فريد شوقي وكاتب السيناريو نجيب محفوظ ومخرجه صلاح أبوسيف أن الحياة سوف تعيد إنتاج ما تخيلوه سينمائياً؟ ولو تتبعت البناء الدرامي في الحكايتين وكذلك سلوك هريدي بطل الفتوة وسلوك القذافي بطل ليبيا سوف تجد تماهيا بينهما خاصة في رحلة السيطرة والجهل والاستعلاء ثم ذلك السقوط للبطلين. وانظر إلي علي عبدالله صالح الرئيس اليمني الذي حرقه شعبه فخرج مدحورا مهانا ثم عاد كعودة السيدة العجوز الشهيرة في مسرحية الكاتب السويسري فريد ريش دورنيمات «زيارة السيدة العجوز»، السيدة التي عادت لقريتها التي أبعدت منها لتنتقم وتحفر القبر لمن تجرأ عليها وهي المسرحية التي تحولت إلي أفلام عدة أشهرها فيلم قام ببطولته أنتوني كوين مع أنجريد برجمان. أما فيلم لا تسألني من أنا فهو ترجمة للثورة المصرية الوليدة التي تركتها أمها في أحضان أم بديلة كان الفيلم بطولة شادية ويسرا وكان الواقع بطولة الشعب المصري في 25 يناير والذي أنجب أنثي تخاطفتها الأيادي أمام أعين أمها العاجزة أو المشلولة. سوف يعييك التفكير ويمزقك التذكر محاولا الحصول علي مشهد أو استرجاع فكرة سينمائية قديمة جاء بها فيلم يشبه ما يحدث مع مبارك وصحبه الآن لن تجد له مثيلاً ولا حتي في سينما الخيال العلمي أو سينما المقاولات ولا حتي سينما التهريج.