بعد أن منى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بالفشل فى مخططاته لغزو ليبيا أمام الضغط السياسى العالمى والإدانات الأوروبية العربية، والتى انتهت بصفعة مؤتمر برلين الذى أكد رفض التدخل العسكرى التركى على الأراضى الليبية، اتجه الغازى التركى بأطماعه وطموحاته العثمانية البربرية إلى الصومال، تلك البقعة الذهبية المدفونة تحت أنقاض الحروب الأهلية والمجاعات، والتى أحرقت النيران معالم الإنسانية على وجوه شعبها المشرد، ولم يبق ظاهرا منها سوى المجرمين المسلحين الذين يتنازعون على السلطة، تلت المآسى التى عاشها الصومال جعلته فى أمس الحاجة لأى يد تمتد إليه بالمساعدة، ولكن للأسف كانت هذه اليد هى يد أردوغان الذى غلف أطماعه بالمساعدات الإنسانية، كى يسيطر على ثروات الشعب الصومالى، ويستفيد من موقعه الاستراتيجى الواقع ضمن القرن الإفريقى مدعيا أن الصومال دعا تركيا للتنقيب عن النفط فى مياهه. العباءات التى ارتداها أردوغان لإخفاء وجهه الاستعمارى، كعادته عباءة الخليفة الإسلامية ذى الخلفية الدينية، فكانت المساجد أداته لكسب مشاعر الشعب الصومالى والتأثير فى وجدانهم. الوضع الإنسانى المزرى بالصومال، مكن الرئيس التركى من إلقاء طعم المساعدات الإنسانية، إذ قدمت تركيا نحو 470 مليون دولار تكلفة تلك المساعدات، وعند وقوع تفجيرات شديدة فى أكتوبر 2017 أنشأت تركيا جسرا جويا لنقل الجرحى إلى مستشفياتها. لكن المساعدة لم تكن دائما حيادية، إذ تقوم المنظمات التركية بتوزيع معوناتها على جهة دون الأخرى، ما أدى إلى اشتباك الجماعات المسحلة مع الميليشيات القبلية، حول وصول المساعدات من تركيا إلى مقديشو. تأجيج الصراع هو الهدف الأساسى من المساعدات التركية فبسبب افتقارها للإلمام بأبعاد الصراع الصومالى، لم تصل المساعدات لمستحقيها، ومن ناحية أخرى فقد لا يكون جهلا باستراتيجية توزيع المعونات وإنما تم عن قصد لاستغلال الصراع القبلى وتوجيهه لما يخدم مصالحها، متجاهلا إنقاذ الأبرياء، لذا قام ببيع الملاجئ والخيام لمجموعات مسلحة أخرى. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل أُجبرت المنظمات التركية غير الحكومية على توظيف مديرين محليين موالين لها فى مقديشو، والتواصل مع الجماعات الإسلامية المسلحة والجهات العسكرية الأخرى بحجة تقديم المساعدة، ولكن الحقيقة أنه تم التلاعب بهم لأغراض استراتيجية وعسكرية أخرى منها اجتذاب تلك المليشيات الإرهابية لتنفيذ هجمات تركية بالخارج كما فى ليبيا وسوريا والعراق. وبفضل الفتنة التركية تحولت الصومال لأرض صراع دولية، وقد تفرض عليها العزلة عن محيطها العربى والإقليمى، وهو الوضع ذاته بسوريا، ويلعب النفط الدور الأكبر فى أطماع أردوغان سواء بسوريا أو العراق أو الصومال، إذ تحاول أنقرة احتكار المخزون النفطى الذى تستخرجه الصومال، والذى سيؤدى لاحتمالية حدوث نزاعات مسلحة ما بين الحكومة الفيدرالية فى مقديشو، والحكومة فى الصومال لاند. الدليل الأكبر على دعم أردوغان للإرهاب، هو تأييد التنظيمات المتطرفة لتحركاته بالداخل الصومالى، ومنها «حركة شباب المجاهدين الصومالية» وقد كشفت وثائق قضائية أن وكالة الاستخبارات التركية تدعمهم بمئات الآلاف من الدولارات. وتحظى غالبية الحركات الإسلامية الجهادية بالصومال بدعم مالى كبير من تركيا، فضلا عن رعاية أردوغان لفكرهم المتطرف واحتضان بلاده للدواعش وجماعة الإخوان الإرهابية، وبالتالى فهى رجل أنقرة الذى يحمى مصالحها بالداخل الإفريقى، مثل «جماعة التجمع الإسلامى، جماعة الشباب المجاهدين، جماعة الاعتصام بالكتاب والسنة السلفية، حركة الإصلاح فى القرن الإفريقى، الجبهة الإسلامية الصومالية، الحزب الإسلامى، ربطة العلماء الصوماليين، التكفير والهجرة فى الصومال، جماعة التبليغ والدعوة». ومن داخل تركيا هناك هيئات وأحزاب على صلة وثيقة بالتنظيمات الصومالية المتطرفة، وهى المسئولة عن تمويل هذه الجماعات وتوريد الأسلحة وتدريب المرتزقة، ويأتى على رأسهم حزب العدالة والتنمية التركى والذى تبنى قضية التوغل التركى فى القرن الإفريقى منذ عام 2002. وكان للرئيس التركى عدة عوامل مكنته من التوغل فى الأراضى الصومالية، أهمها التعاون العسكري، والذى تتمثل أهم مظاهره فى افتتاح تركيا أكبر قاعدة عسكرية لها فى جنوب مقديشو فى أكتوبر 2017 وقد تكلف بناء هذه القاعدة نحو 50 مليون دولار، وهى أكبر معسكر تركى خارج تركيا حيث إنها على مساحة 400 هكتار وتضم ثلاث مدارس عسكرية بجانب منشآت أخرى. وبهدف تسويق الصناعات العسكرية التركية، دعمت تركياالصومال بالمعدات العسكرية ومن ضمنها سلاح «امبيتي- 76» وهو سلاح تركى محلى تستخدمه القوات التركية فى مكافحة الارهاب يطلق نحو 650 رصاصة فى الدقيقة الواحدة. «إعادة تطوير جهاز الشرطة الصومالى» ضمن الاتفاقيات الأمنية المبرمة بين تركياوالصومال، وقد كلف أنقرة مليونين دولار شهريا لدفع رواتب عناصر الشرطة. ومن أجل سد النقص الحاد الذى تواجهه أنقرة فى مجال الطاقة، وعدم تحمل اقتصادها نفقات استيراد الطاقة، إذ بلغت فاتورة استيراد الوقود فى تركيا نحو 37 مليار دولار فى عام 2017، فيما سجلت نحو 24.6 مليار دولار فى النصف الأول من العام الماضى، و3.85 مليار دولار فى يناير الماضى فقط. ولهذا السبب يأتى النفط على رأس أطماع أردوغان فى الصومال عبر شركة تركية تدعى «جينيل إنيرجى»، والتى سمحت لأنقرة بالتنقيب عن احتياطيات النفط فى إقليم أرض الصومال«صوماليلاند» والتى تولت حفر خمس آبار بترول، باستثمار يقدر بأكثر من 400 مليون دولار. وقد قام أردوغان بشراء الشركة فى 2011، ونقل مكتب رئيسها إلى تركيا، وتعيين التركى «مراد أوزغول» رئيسًا تنفيذيا للشركة الجديدة، ولا يزال فى منصبه حتى اليوم بعد أن قامت شركة الطاقة «فالارس بى إل سى»، فى جزيرة جيرزى الإنجليزية، بالاندماج مع شركة الطاقة التركية «جينيل إنيرجى» فى صفقة بلغت 2.1 مليار دولار. وتستهدف الشركة التركية استخراج مليارى برميل نفط، وهو ما يلهث أردوغان خلفه فى تلك الفترة للاستحواذ على هذه الكمية الهائلة، إذ تمكنت الشركة من السيطرة على 50% من عقد الإنتاج النفطى لمنطقة «أودوين»، وهى منطقة بالصومال غنية بالنفط. ومن خلال توفير المال والسلاح لحكومة صوماليلاند، حصل أردوغان على تصريحها له بالتنقيب عن الغاز، ووفرت له البيانات الكاملة لبرنامج التنقيب السيزمى ثنائى الأبعاد فى منطقة «أودوين»، مشيرًا إلى أن حيازة المعلومات كلف الشركة 15 مليون دولار.