كانت هناك خطة كاملة من قبل المخلوع لتوريث الحكم لنجله جمال شملت التنسيق علي مستويات عدة والاستعداد لجميع الاحتمالات لكنه من المؤكد أن أحداً لم يكن يتوقع أن إسرائيل كان لديها خطة وتوقعات متكاملة لمساعدة «جمال مبارك» علي وراثة السلطة من والده المخلوع في مصر وأن هناك تصور استراتيجياً رسمياً وضع في تل أبيب في 2010 بعلم الولاياتالمتحدة الكامل ومباركة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» علي إثر اتفاق بين الموساد والحكومة الإسرائيلية وبين المخلوع علي مساعدة جمال عندما يحين التوقيت المناسب وفي المقابل وعدهم جمال وأبوه باستمرار العلاقات المميزة التي حصلت عليها إسرائيل في مصر ومعها مزايا أخري أكثر خطورة. الخطة تضمنها تقرير صدر من جهاز الموساد الإسرائيلي وطبع في مطابع وزارة الدفاع الإسرائيلية عام 2010 تحت عنوان «التقدير الاستراتيجي لإسرائيل 2010» وفي صدر التقرير تأكيد علي أن كل ما سيأتي من معلومات كانت الإدارة الأمريكية علي علم بكل خطوة فيها وأن خطة تمكين جمال مبارك من السلطة كانت ستتم بالتعاون بين إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية حتي أن تقريرهم بدأ بصورة التقطت لحديث جري بين الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» ورئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتانياهو» خلال جولة في الهواء الطلق خارج مبني البيت الأبيض بعيدا عن العيون والمايكروفونات الخفية اتفقا خلالها معا علي تفاصيل تمكين جمال مبارك من السلطة في مصر. وفي صدر التقرير توجد إشارة إلي أنه كتب بعد دراسات موثقة وضعت في معهد البحوث الدفاعية والأمنية القومية لإسرائيل بالتعاون مع جهاز الموساد ووزارة الدفاع الإسرائيلية وربما ذلك هو السبب الذي جعلهم يضعون شعار المعهد مع الشعارات الأخري علي التقرير. في البداية يذكر واضع التقرير العلاقات المميزة مع الولاياتالمتحدةالأمريكية ويؤكد أن حرب عام 1956 المعروفة باسم العدوان الثلاثي علي مصر قد نجحت بعدها إسرائيل في التوقيع علي معاهدة استراتيجية بين تل أبيب وواشنطن تعامل فيه إسرائيل من تاريخه علي أنها الولاية ال51 للولايات المتحدةالأمريكية وفي المقابل وافقت إسرائيل علي إخلاء قواتها من شبه جزيرة سيناء ويشير التقرير إلي أن الاتفاقية ربطت بشكل رسمي وعلني بين جهاز الموساد الإسرائيلي وبين المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» لأنها تنص علي التعاون في كل المجالات بداية من تبادل المعلومات ونهاية باتخاذ القرارات المصيرية في الشرق الأوسط معا. التقرير يذكر عدداً من النقاط التي تأسست عليها التفاهمات السياسية والاستراتيجية بشكل منفرد بين الرئيس المصري المخلوع «محمد حسني مبارك» ونجله «جمال مبارك» من جهة وبين الإدارة الأمريكية متمثلة في الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» من جهة أخري وأن الثمن المقابل كان سيصبح في مساعدة الوريث علي تولي السلطة في مصر دون مشاكل. مع التأكيد علي أن التقرير في المجمل صادر ليوثق وقائع تاريخية كانت ستغير وجه الشرق الأوسط لو تم لها النجاح في منتصف عام2011 وهو التوقيت الفعلي الذي كشف التقرير الإسرائيلي أنهم اتفقوا علي تمكين جمال مبارك فيه من السلطة في مصر. وفي البداية يذكر التقرير أن إدارة أوباما كانت جادة في تفعيل المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية وإعادتها للمسار الطبيعي غير أن نظام مبارك منذ عام 2009 عمل في الخفاء علي تعطيل أي تفاوض بغرض إيصال العالم لنقطة تقنع الجميع أن مفاتيح الصراع الحقيقية هي في أيدي مبارك وأنهم يجب أن يتماشوا مع خططه وإلا أفشل لهم الأمور ويؤكد التقرير أن مبارك كان شغله الشاغل في تلك الفترة هو كيفية تمرير توريث الابن دون إثارة المشاكل مع دول العالم وبمباركة أمريكا نفسها حتي تتشجع باقي دول العالم وتعترف بالوريث. وتعهد جمال مبارك للإدارة الأمريكية بتطبيق التطبيع مع إسرائيل بشكل مفتوح في أول عام لتوليه السلطة ووعدهم بإسكات كل الأصوات المعارضة لإسرائيل في مصر علي أن يكون عام 2013 هو نهاية زمن الرفض الإسرائيلي في الشارع المصري. أيضا وعد جمال الإدارة الأمريكية بمنح إسرائيل (كوتة) مشروعات وأراض في كل مشروع مدن صناعية جديدة في مصر وفي المقابل اتفق مع أمريكا علي إقامة 5 مدن صناعية جديدة حتي عام 2015 بتمويل عربي أمريكي علي أن يكون لإسرائيل فيها نسبة 15% من المشروعات والأراضي. ويؤكد التقرير أن دولاً عربية خليجية كبري وأخري صغري كانت علي علم بالإتفاقية والأغرب أنها تعهدت بتمويل مفتوح للمشروعات وللمدن الجديدة علي أن تنتهي من العالم العربي كلمة رفض التطبيع ومعاداة السامية للأبد. والتعهدات من جانب جمال مبارك لم تكن شفهية بل كان تعهدا مكتوبا وقع عليه الرئيس المخلوع والوريث جمال معه والتوقيع تم خلال زيارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" للقاهرة في الخميس الموافق 4 يونيو 2009 . وفي الواقع كان التعهد بمثابة نقل للسلطة برعاية أمريكية ويشير تقرير الموساد إلي أن يوم الخميس 4 يونيو 2009 كان فرحا حقيقيا في تل أبيب كما كان في القصر الجمهوري بالقاهرة حيث كان سيعد ذلك اليوم تاريخيا بأنه التاريخ الفعلي لنقل السلطة سلميا في مصر من الأب مبارك للوريث جمال مبارك. ولم تكن الصفقة تتوقف عند ذلك الحد حيث كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل في المقابل قد حصلت علي وعود أخري أكثر أهمية من بينها الاتفاق علي القضاء نهائيا علي جماعة الإخوان المسلمين في مصر بتعاون أمريكي وإسرائيلي كامل لأن الإخوان المسلمين شكلوا دائما تهديدا خطيرا علي إسرائيل وكانوا الامتداد الطبيعي للحركات الإسلامية المقاومة لإسرائيل في فلسطين ومن أهمها حركة حماس التي خرجت من عباءة الإخوان المسلمين المصرية. إيران هي الأخري كان لها نصيب من الاتفاق حيث تعهد الأب ووريثه علي الوقوف جنبا لجنب مع إسرائيل وأمريكا ضد المد الإيراني في الشرق الأوسط والأخطر أن جمال تعهد بالدخول في أي حلف لحرب مستقبلية تشن علي إيران كما فعل والده في الحرب الأولي علي العراق وأن يقود الأمة العربية لاتخاذ ذات الموقف لتحييد الدور الإيراني بالمنطقة وصولا للقضاء علي حزب الله في لبنان بنهاية عام 2017. مع أن التقرير لم يفسر كثيرا نقاطا مهمة واكتفي بسردها كعناوين أساسية في الاتفاق بين الأب والوريث والإدارة الأمريكية لكن يمكن إدراك الكل من الجزء المتاح في التقرير وقد كان بين التعهدات الموافقة علي توطين أكبر عدد من الفلسطينيين في مصر وإن لم يكن لإضعاف المفاوض الفلسطيني علي المطالبة والتفاوض علي حق العودة فهو للقضاء نهائيا علي هذا الحق خاصة لو علمنا أن التقرير به معلومات بدون أسماء عن دول عربية أخري وقعت معها الإدارة الأمريكية ذات الاتفاق سرا. أما أخطر تعهدات مبارك وجمال للولايات المتحدةالأمريكية في ذلك اليوم فكانت موافقتهما علي إقامة قاعدة عسكرية أمريكية كبري علي حدود مصر الغربية لها الحصانة والسيادة وفي المقابل تحصل مصر علي مساعدات أكبر ونوعيات سلاح أحدث ويضمن الوريث في عامه الأول الاستقرار العسكري والمادي للدولة المصرية وبالقطع مع الدعم السياسي الأمريكي الدائم. كما احتوي التقرير علي تلميحات بأن الولاياتالمتحدة عندما وقعت مع مبارك ووريثه في الخميس 4 يونيو 2009 كانت تتحدث باسم الحلفاء الأوروبيين أيضا حيث يشير التقرير إلي أن التوقيع شمل مزايا لدول الحلف الكبري مثل بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا كذلك غير ان التقرير اكتفي بسرد تعهدات مبارك ووريثه لأمريكا دون غيرها من الدول. وكتب التقرير بعناية فائقة تبدو واضحة من طريقة السرد للوقائع الموثقة في مجملها بواسطة معلومات جهاز الموساد الإسرائيلي وفي الخلفية الإدارة الأمريكية كلها نجدهم يفجرون مفاجأة ربما تكون لأول مرة في تقرير رسمي ففي 6 مارس 2010 عقب دخول الرئيس المصري المخلوع لمستشفي "هايدلبرج" الألماني في برلين علمت المخابرات الإسرائيلية والأمريكية بعد ساعة واحدة من ظهور بيانات الفحوصات الطبية الخاصة بمبارك حالته الحقيقية. ويكشف التقرير لأول مرة أن الفحوصات وجدت طريقها للبيت الأبيض بعد ساعة واحدة بطريقة أو بأخري بل لم ينسوا أن يشيروا ولو بطريق السخرية إلي أن نتائج الفحص الطبي ظهرت تقريبا في نفس توقيت هايدلبرج داخل جهاز المخابرات الألمانية. التقرير كشف أن هناك جلسة سرية مشتركة تمت في مقر ال«سي آي إيه» بواشنطن بين الضباط الكبار في المخابرات الإسرائيلية وبين نظرائهم في المخابرات المركزية الأمريكية في 6 مارس 2010 وقد جرت تلك الجلسة لبحث تساؤل واحد طرح نفسه يومها بقوة ضاغطة علي السياسة الإسرائيلية قبل الأمريكية كان عنوانه: "هل نتحرك الآن لتوريث الابن قبل وفاة الأب؟". ويؤكد التقرير أن تلك الجلسة وضعت فيها جميع القوي السياسية والحزبية بل وقوي المخابرات المصرية والجيش المصري علي مائدة البحث والدراسة حيث أكدت جميعها أن ترجيح كفة الميزان السياسي في مصر في هذا التوقيت لم يكن في صالح الوريث بأي شكل وذكروا أن تلك الجلسة كانت تاريخية وأنه لم يكن لأحد من الطرفين إجابات نهائية أو وافية كان يمكن أن تؤدي لقرار موحد يلزم أمريكا وإسرائيل بضرورة التحرك لتوريث جمال قبل فوات الأوان. لكنهم وثقوا للقاء تم بين رئيس الموساد الإسرائيلي يومها "مائير داجان" - رئيس الموساد من 2002 حتي 6 يناير 2011 - وبين عدد من ضباط المخابرات المركزية الأمريكية الكبار زاروا مبارك في المستشفي سرا وطرحوا عليه سؤالا مع ثلاثة احتمالات كان يجب عليه اختيار إحدها للخروج من الموقف. أول حل قدمته المخابرات المركزية الأمريكية والموساد كان الإعلان فور عودته لمصر عن تقديم موعد الانتخابات الرئاسية والإعلان عن التنحي المبكر ودعوة الحزب الحاكم للإشتراك في الانتخابات الرئاسية بمرشح عن الحزب وكان هو جمال مبارك غير أن هذا الحل كان سيجبر مبارك للحصول علي موافقة الجيش والمخابرات وجهاز الأمن الداخلي المتمثل في أمن الدولة والداخلية لمساندة الوريث وهو ما كان مبارك طبقا لمعلومات التقرير يخشاه طيلة الوقت حيث كان يعلم أنهم سيعارضون عند الوقت المناسب. الحل الثاني كما ذكر بالتقرير السري كان في الانتظار للموعد المحدد للانتخابات الرئاسية وخلال وجود الشرعية في يد مبارك كان سيعلن عن ترشيحه للوريث جمال مبارك مع منحه مزايا مالية جديدة للشعب كرشوة حتي يمرر توريث الابن. أما الحل الثالث فكان يكمن في منافسة مبارك نفسه علي الرئاسة لفترة أخري وكان سينجح دون شك مع أن ذلك الحل كان هو أسوأ الحلول حيث إن مرض وسن مبارك كان لن يمكناه من إكمال تلك الفترة بسلام. التقرير يؤكد أنهم في النهاية وجدوا رغبة لدي مبارك في إكمال رئاسته حتي صيف 2011 وفي الانتخابات الرئاسية الرسمية يكون التحرك حيث ستنقل السلطة بشكل شرعي لا يثير الشارع المصري ضد جمال الابن ويذكر التقرير أنهم احترموا يومها خبرة وقرار مبارك فتأجلت الخطة إلي صيف 2011 كما طلب لحين الانتخابات الرئاسية الرسمية في مصر. الجدير بالذكر أن التقرير يقول إنهم خرجوا وهم متأكدون أن مبارك فشل في الاختيار وأنه لو مات فجأة أو أصبح غير قادر علي الحكم دون أن يكون قد ورث الابن فإن احتمالات جمال مبارك ستكون صفراً أمام مرشح جديد كانوا يعرفون أنه لابد أن يكون من داخل المؤسسة العسكرية غير أن التقرير ينتهي في تلك النقطة دون أن يذكر بيانات واسم ذلك المرشح الذي توقعوه جميعاً.