طالب المستشار عبدالله قنديل نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية ورئيس مجلس إدارة نادي أعضاء الهيئة في حوار ل«روزاليوسف» بضرورة تعديل عشر مواد بقانون الهيئة الحالية والتي تمنح وزير العدل سلطة الرقابة والإشراف الإداري والموافقة علي نقل وندب الأعضاء بشكل يعد تدخلاً للسلطة التنفيذية في عمل شعبة من شعب القضاء وهي هيئة النيابة الإدارية. وشدد قنديل علي ضرورة أن تكون إحالة أعضاء الهيئة للمحاكمة بيد المجلس الأعلي للهيئة وليس المحامي العام بالنيابة العامة وأشار قنديل إلي أن النيابة الإدارية تم غل يدها منذ عام 1964 وحتي الآن بوسائل قانونية من خلال فصل الرقابة الإدارية عنها ثم بإعلان قانون الخصخصة الذي أخرج الشركات التي تم بيعها إلي مستثمرين عن ولاية النيابة الإدارية. وإلي نص الحوار: • هناك مطالب من جانبكم بتعديل قانون هيئة النيابة الإدارية في ظل وجود مواد تبسط رقابة وزير العدل علي الهيئة فما رأيك؟ قانون هيئة النيابة الإدارية ينص علي أن هيئة النيابة الإدارية هيئة مستقلة إلا أن هذا القانون يتضمن من بين مواده التي تربو علي أربعين مادة عشر مواد متفرقة.. منها المادة الأولي التي تشير إلي تبعية النيابة الإدارية إلي وزير العدل وفق عبارات مختلفة تقول «ملحق بوزير العدل».. أو تلحق بوزارة العدل.. حيث إنه في النهاية يقول إن هيئة النيابة الإدارية ملحقة إشرافياً مع وزير العدل.. وكما هو معروف فإن هيئة النيابة الإدارية هي هيئة قضائية، وبالتالي فهي شعبة من شعب القضاء وبما أنها كذلك فهي من ضمن السلطة القضائية خاصة أن تكوين أي دولة ينطوي علي ثلاث سلطات هي السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وعندما يجعلنا شعبة من شعب السلطة القضائية.. ويجعل في نفس الوقت الهيئة ملحقة بوزير العدل، ففي هذه الحالة أصبح وزير العدل الذي يعد ممثلاً للسلطة التنفيذية مشرفاً علي سلطة من سلطات القضاء.. وهذا ما لا نريده لأنه ما دامت الهيئة شعبة من شعب القضاء فيجب أن تكون مستقلة بشكل كامل حتي تتمكن من أداء دورها المرسوم قانوناً ودستورياً. • معني ذلك هل العشر مواد المتفرقة في قانون هيئة النيابة الإدارية توضح التبعية الفعلية للهيئة لوزير العدل؟ معني التبعية هنا.. إمكانية تدخل وزير العدل في التنقلات حيث إن التنقلات التي يمكن أن تصدر خارج المحافظات لابد أن تكون بقرار وزير العدل.. وهذا نوع من التبعية بما فيها أيضاً الندب والإعارات وحركة النيابة الإدارية وكذلك الصلاحية ومجلس التأديب.. حتي التعيين المبدئي بالهيئة يجب أن يكون بطلب من وزير العدل. • بالرغم من هذه المواد.. ألم يكن هناك مطالب سابقة بالتعديل علي قانون الهيئة؟ لم يرد تعديل علي قانون الهيئة منذ عام 1989 وكان تعديلاً علي صلب القانون.. ولكن مطالب التعديل الخاصة باستقلال الهيئة لم ترد علي الإطلاق ولذلك عقب قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير.. وما رأيناه من حجم الفساد وجدنا أن النيابة مكبلة لمكافحة الفساد بالشكل الطبيعي. • أشعر في ثنايا حديثكم وجود غل ليد النيابة الإدارية في مكافحة الفساد بالدولة، هل يمكن توضيح ذلك؟ غل يد النيابة الإدارية بدأ منذ عام 1964 علي وجه التحديد.. وهذا له حديث آخر مرتبط بنشأة النيابة الإدارية عقب ثورة يوليو 1952، والذي كان من ضمن أهدافها القضاء علي الفساد وكان رجال الثورة عندهم حس وطني.. وحتي يقضوا علي هذ الفساد كان لابد من إيجاد جهاز أو هيئة قضائية متخصصة تحارب هذا الفساد وتقضي عليه من خلال الضمانات والحصانات.. وحتي يكون ضمانة أيضاً للموظف في حال اتهامه ولا يخاف من رؤسائه فأنشأت هيئة النيابة الإدارية بالقانون رقم 480 لسنة 1954 . ثم قويت النيابة واشتد عودها ولكن اكتشف النظام أيضاً في هذا التوقيت أن هذه الهيئة التي أنشأها نظام يوليو سوف تقف حجر عثرة أمامه حينما يريد هو أن يفسد. • ألا تعد هذه مفارقة أن النظام الذي أنشأ الهيئة لمحاربة الفساد هو نفسه الذي غل يدها ووقف ضدها، كيف ذلك؟ بالطبع مفارقة.. لأن الزمن يغير كل شيء ويغير النفوس.. حيث أصدر النظام عام 1964 القانون رقم 54 لسنة 1964 والذي ينص علي فصل الرقابة الإدارية التي كانت قبل هذا القانون جزءاً من النيابة الإدارية وتكون مهمتها التحري والضبط وتقديم المتهمين أمام النيابة الإدارية، وعقب صدور القانون رقم 54 تم فصل هيئة الرقابة الإدارية عن النيابة الإدارية.. ومن هنا أصبحت النيابة الإدارية مبتورة الذراع.. ومن هنا أيضاً يمكن القول: إن الفساد نشأ من هنا.. وفي ظل قانون فصل الرقابة الإدارية، ثم استحدث تعيين لقانون الرقابة الإدارية رقم 54 لسنة 64 وهذان النصان يمنعان من أن ترسل الرقابة الإدارية تقاريرها إلي النيابة الإدارية أو النيابة العامة.. حيث نصت المادتان في هذا القانون علي أن الرقابة الإدارية عندما تقوم بعمل تقارير وتحريات يجب أن تعرض علي رئيس المجلس التنفيذي والمعني به هنا رئيس مجلس الوزراء وذلك وفقاً لنص المادة الخامسة من القانون سالف الذكر. أيضاً جاء نص المادة الثامنة ليقول: إنه إذا ارتأت الرقابة الإدارية في تقرير من تقاريرها أن تحيل هذا التقرير ضد موظف عام بدرجة مدير عام يجب أن تأخذ موافقة كتابية من رئيس الوزراء وهذا يعني أنه تم تعجيز النيابة الإدارية من ناحية وفي نفس الوقت أيضاً قيد الرقابة الإدارية من ناحية أخري. وصار هذا الأمر علي النحو المبتور حتي عام 1991 حتي أصدر نظام مبارك القانون رقم 203 المعروف باسم قطاع الأعمال والمعروف عند المواطنين باسم قانون الخصخصة.. الذي جعل أغلب شركات القطاع العام تخرج من ولاية النيابة الإدارية.. لأن النيابة الإدارية ولايتها علي الموظفين العموميين بالدولة.. وهذا الإجراء جاء لصالح الفاسدين والمفسدين.. حتي يمكن بعض الأشخاص من أن يضعوا أيديهم علي آلاف الأفدنة من خلال الشركات الخاصة لأنه لا توجد دولة يمكنها أن تخصص مثلاً ثلاثين ألف فدان لشخص واحد.. وهنا أيضًا تم اقتطاع جزء من سلطات النيابة بحيث تم التضييق علي عمل النيابة بحيث أخرج شركات القطاع العام من خلال بيعها إلي المستثمرين عن ولاية النيابة. أيضًا عام 2006 أعد أحمد درويش وقت أن كان وزيرًا للتنمية الإدارية قانونًا سماه قانون الوظيفة العامة.. الذي جعل به بندًا يجعل نصابًا ماليا للجرائم التي يمكن أن تحال إلي النيابة الإدارية وهو ما يعني أنه يشجع علي استباحة ونهب المال.. وعندما نقول: إن الفساد كان مقننًا بقوانين فلا تتعجب.. لأنه عندما يحدد نصابًا للمال يعاقب عليه المتهم فمعني هذا أن المتهم إذا حصل علي نصاب أقل بقليل فلن يحاسب عليه. وأحذر من إصدار مثل هذا القانون الفاضح لأنه يتستر علي الجريمة والمجرمين ويحميهم. • مسألة الاختصاص هل هناك تنازع علي جريمة الموظف العام ما بين النيابة العامة والنيابة الإدارية؟ ليس هناك تنازع اختصاص بين النيابتين في حال توقيع عقوبة جنائية وأخري تأديبية علي الموظف العام.. لأن الموظف العام قبل أن يكون موظفًا فهو مواطن يخضع لقانون العقوبات.. فإذا ما ارتكب الموظف العام فعلاً في هذا السياق فلا يوجد مانع يحول من توقيع العقاب الجنائي عليه.. ومن خلال صفته كموظف عام يعاقب عليه وفقًا لمجتمع الوظيفة العامة، أما مسألة الإحالة.. فنحن لا نحيل الموظف للنيابة العامة إلا في حالة وجود أوراق ثبوت بجرم جنائي.. فنحن في هذه الحالة نحيله.. ولا يوجد هنا تعدد في الجزاءات لأن العقاب الجنائي يحمي المجتمع والعقاب التأديبي يحمي مجتمع الوظيفة ويفصل الموظف أيضًا إذا ارتكب جريمة مخلة بالشرف. • فيما يخص مراحل الطعن علي قرارات النيابة الإدارية.. أليس من الأفضل أن تكون داخل الهيئة وليس أمام مجلس الدولة كما هو معتاد؟ أنت تتحدث هنا عن أمل يطمح إليه الجميع.. لأن هيئة النيابة الإدارية هي جهة تحقيق تأديبي فإن رأت أن المخالفة جسيمة تحيل الواقعة إلي المحاكمة التأديبية بمجلس الدولة. ومن المفروض أن يكون التطور الطبيعي أن تكون كل الأمور بيد النيابة الإدارية، ولكن وفقًا للدستور والقانون الحالي فإن النيابة الإدارية جهة تحقيق وادعاء فقط. • فيما يخص مثول بعض الموظفين العموميين أمام جهاز الكسب غير المشروع.. أين أنتم من ذلك؟ الفهم الحقيقي هنا يقول: إنه في حال ارتكاب موظف عام لجريمة الكسب غير المشروع.. ووفقًا لقانون الكسب فقد أناط إدارة الكسب بتحقيق هذه الجريمة جنائيا ولا يوجد في أي قانون ما يمنع النيابة الإدارية من أن تقوم بالتحقيق مع أي موظف عن نفس الجريمة، ومن الوارد أن تقوم النيابة خلال الفترة المقبلة بالتحقيق تأديبيا مع الموظفين الذين تم التحقيق معهم أمام الكسب غير المشروع طالما هم من دون درجة وزير. • ما ميزة النيابة الإدارية التي يمكن أن تتحقق خلال الفترة المقبلة؟ ميزة النيابة الإدارية عمومًا أنها تتولي الموظف العام منذ بداية يوم عمله حتي نهايته ويحق للنيابة الإدارية أن تحقق مع الموظف العام في سلوكه الشخصي خارج الوظيفة العامة لأن هذا يمس عمله..وهذا كله بحاجة إلي جهة رقابية. • هل كنتم تتوقعون في النيابة الإدارية حجم الفساد الذي ظهر عقب سقوط إدارة مبارك؟ كنا نعلم أن هناك فسادًا.. ولكن ليس بهذا الحجم. • كيف نبني الدولة المصرية؟ من خلال مبدأ سيادة القانون.. بحيث يصبح الحاكم والمحكوم خاضعين أمام القانون.. وأن نزرع وننمي في المواطن العادي أن له كرامة في داخل وطنه وهذا يتطلب جهدًا مع الوقت.