في أسبوع واحد زار القاهرة أثنان من أهم رؤساء وزراء المنطقة الأول هو رجب طيب أدروغان رئيس وزراء تركيا .. والثاني هو رئيس وزراء أثيوبا مليس زيناوي .. والزيارة الاولي أثلجت صدور جماعة الأخوان المسلمين والجماعات الإسلامية والجهادية والسلفيين علي السواء .. وذهبت وفود منهم بالطبل والمزمار البلدي تستقبله في المطار بالحفاوة والترحاب والتقي أردوغان بالمرشد العام .. وكأنهم ذهبوا ليقدموا فروض الولاء والطاعة لأول رئيس وزراء تركي تسعي بلاده بجد واجتهاد للالتحاق بالاتحاد الاوروبي وفي نفس الوقت فهو يمثل أكبر الأحزاب الإسلامية في تركيا وينتمي لما يشبه جماعة الإخوان المسلمين عندنا في مصر .. وعلي الرغم من أن الأخوان المسلمين في مصر أسعدتهم الزيارة لأنهم باتوا قاب قوسين أو أدني من أقتناص السلطة في مصر .. والتهام «كعكة ثورة 25 يناير» عن أخرها بمفردهم .. وبعد ذلك ينفردون بالسلطة بدعوي أنها حكومة الأغلبية .. وهذا هو عين الباطل الذي يراد به حق مغلوط.. فلا هم أغلبية ولا هم يحزنون.. وجماعة الأخوان المسلمين بما فيها كل التيارات السياسية الدينية لا يربو عددهم مجتمعين علي 2 مليون عضواً والأخوان بمفردهم، وفقاً لكشوف العضوية التي يرفض مكتب الارشاد أن يصرح بها لا يزيدون علي 800 ألف عضو ويريدون أن يحكموا 80 مليون مصري، ويستعدون بالأموال والتنظيم للحصول علي أكبر عدد من مقاعد المجالس التشريعية التي سيفتح باب الترشح إليها خلال الأيام القليلة المقبلة .. فإذا صارت لهم الأغلبية في مجلس النواب - رغم أنهم أعلنوا مراراً أن عددهم لن يزيد علي نسبة 30% والأن يطمعون في أكثر من 60% .. كعادتهم في عدم الالتزام بتعهداتهم دائما كما وعدوا بأنه لن يكون من بينهم مرشحاً للرئاسة وفجأة ظهر عصام أبو الفتوح وسليم العوا.. ولكنهم تنصلوا من الثاني وفصلوا الأول من تنظيم الأخوان أو جماعة الأخوان .. وهكذا المهم .. أن سعادتهم باستقبال أردوغان لم تتم، ففي الوقت الذي أصبحت حكومة تركيا الإسلامية هي النموذج والقدوة .. والأمل والرجاء .. فإذا بالطيب أردوغان يصدر تصريحات صادمة هدمت المعبد فوق رؤوسهم جميعاً .. إذا قال بالحرف الواحد : «أنا مسلم .. ولكنني رئيس وزراء دولة علمانية ..والعلمانية ليست كفراً.. والدولة التي أشرف برئاسة مجلس وزرائها دولة مدنية .. فالعلمانية لا تتعارض مع الأديان بما فيها الإسلام.. وفصل الدين عن الدولة .. هو الخطوة الأولي نحو التقدم .. هكذا ضرب أردوغان «كرسي في كلوب» فرح الأخوان المسلمين باقتراب توليهم للسلطة .. ليحولوا مصر إلي دولة دينية ويعلنوا الحرب علي كل القوي الوطنية الأخري والاتجاهات السياسية المغايرة لهم .. وهذا الدرس الأول الصادم لجماعة الأخوان والسلفيين .. فكتالوج المرشد العام الذي يتهيأ لحكم مصر لم يعد صالحاً للاستعمال الآن .. فقد شهد شاهد من أهلهم .. وقال لهم بالفم المليان: العلمانية لا تتعارض مع الإسلام .. وهي ليست كفراً ولارجساً من عمل الشيطان .. فالعلمانية منهج تفكير بشكل علمي لحل مشكلات معاصرة مستعصية في الادارة والتنمية والاستخدام الأمثل لموارد البلاد .. فقط يريد التيار السياسي الديني أن يضللنا ويضلنا .. ويستولي علي الحكم ويرهبنا بعباءة الدين التي سيرتديها ويصبح كلامهم مقدسًا لا يمس لأنهم سيمثلون ظل الله عز وجل علي الأرض فمن خالفهم كافر.. كافر .. لا مفر.. أما الزيارة الثانية فهي كانت لرئيس وزراء أثيوبيا ميليس زيناوي .. وكما أن الأخوان يريدون أن يضللونا .. فإن نظام مبارك ورجاله مارسوا معنا نفس التضليل -بطريقة أخري- علي مدي 17 عاماً مضت .. فقد أوهمونا بأن إثيوبيا ستقطع عنا الماء والكهرباء .. وربما الصابون والشاي والزيت والسكر.. وتحولت أثيوبيا إلي العدو الاول وإسرائيل هي الصديق لأن محاولة أغتيال مبارك تمت علي الأراضي الأثيوبية فناصبهم النظام العداء .. ووجدوا من ساستهم وكتابهم وصحفييهم من ينفخ في الرماد حتي اشتعلت نار الفتنة بيننا وبين إثيوبيا .. ولكنني حضرت لقاء زيناوي بلجنة الدبلوماسية الشعبية.. وكان اللقاء مفعمًا بالود الصادق والحميمية الدافئة .. وكان الرجل علي عكس ما أفهمونا وضللونا عامراً قلبه بالحب لمصر والمصريين .. فقد تحدث عن مشكلة المياه بلغة جديدة لم نسمعها من قبل ولم يعلن عنها في وسائل إعلام النظام السابق بنفس درجة الوضوح والشفافية .. فقد قال الرجل : إنني أعلم تماماً كيف يعيش الفلاحون وكيف يتألمون .. وأي شيء ستقدم عليه إثيوبيا سيكون من أجل مساعدة مصر والفلاح المصري .. فالفلاح المصري والفلاح الأثيوبي في سفينة واحدة .. فإن غرق فسنغرق معاً .. وإن نجونا فسننجوا معاً .. والعلاقة بين مصر واثيوبيا ليست علاقة بين الدكاترة فقط إنها بين جميع أفراد الشعب المصري وفي مقدمته الفلاحون.. فنحن نسعي للتعاون معاً من أجل المياه والكهرباء ومد الطرق وبناء الجسور والارتقاء بالتقنيات الزراعية.. والاستفادة من خبرات الفلاح المصري العريقة. هكذا تكلم زيناوي فكشف النقاب عن عورات النظام السابق وتدليسه للمواقف السياسية الاثيوبية .. وهكذا تكلم أردوغان فكشف النقاب أيضاً عن العوار الفكري في مناهج الخطاب السياسي المتشح بالدين لإضفاء القدسية والمهابة الدينية علي كل أطروحاتهم السياسية.. فما أحوجنا الأن تحديداً إلي درجة رفيعة من الإخلاص للوطن فقط من أجل أن نخرج مصر من كبوتها .. اتقوا الله في مصر ليجعل لكم مخرجاً .