بقلم: هنري سيجمان هل يمكن لأي شخص مطلع علي مسيرة السلام الفلسطينية - الإسرائيلية أن يؤمن بعد الآن أن هذه الحكومة الاسرائيلية تستطيع ان تتحدي اكثر من نصف مليون مستوطن في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية، وهم الأكثر نفوذا في المجال السياسي في إسرائيل، إضافة الي شبكات التأييد لهم داخل إسرائيل؟ وهل يمكنها ان تقدم للفلسطينيين خطة سلام معقولة لقيام دولتين تكون مقبولة حتي لأكثر القادة الفلسطينيين اعتدالا وتساهلا؟ كانت شيلي ياحيموفيتش، عضو البرلمان الإسرائيلي التي تسعي للحصول علي رئاسة حزب العمل، قد اعلنت اخيرا ان مشروع الاستيطان الاسرائيلي «ليس خطيئة أو جريمة» منذ الشروع فيه علي ايدي حكومة عمالية، وعليه فانه «خطوة توافقية بالكامل».. واذا تركنا جانبا الفكرة العجيبة القائلة إن توافق اللصوص يضفي الشرعية علي السرقة، فانه اذا كانت هذه وجهات نظر المرشحين لزعامة حزب العمل الاسرائيلي في الوقت الحاضر، فما هي الامكانية التي يمكن ان تتوافر لاتفاق سلام مقبول ان ينتج عن مسيرة السلام؟ وهل هناك اي شخص شاهد التصفيق المهووس الذي قوبل به رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو خلال خطابه الاخير امام الكونجرس الأمريكي الذي لم يترك فيه اي مجال للشك في نيات حكومته بالنسبة الي القدسالشرقية والضفة الغربية، أو استمع الي الرئيس الأمريكي باراك اوباما وهو يؤكد للحضور من منظمة «آيباك» (لجنة الشئون العامة الأمريكية الاسرائيلية) بأن الصلات التي تربط الولاياتالمتحدة باسرائيل «لا يمكن فصمها» ابدا، ومع ذلك فانه لا يزال يؤمن ان الولاياتالمتحدة ستبذل اي ضغط في اي وقت علي اسرائيل يؤدي في النهاية الي تغيير حساباتها لترجيح كفتي ميزان الربح والخسارة فيما يتعلق بمشروعها الاستعماري؟ هذه الحقائق التي لا يمكن تحديها تبين اكاذيب الاصرار الأمريكي السخيف، الذي صدر أخيرا عن الرئيس اوباما في 12 سبتمبر، من انه ليس بالامكان تحقيق الدولة الفلسطينية الا نتيجة اتفاق بين نتانياهو وعباس. ولا شك في ان الرئيس اوباما يدرك ان ابقاء الامور تسير في هذا المجال لن يوصلا نتانياهو وعباس الي اتفاق بشأن الدولتين، وان الغرض الوحيد لاستئناف «مسيرة السلام» سيكون توفير غطاء لقضم اسرائيل للمزيد من اراضي الضفة الغربية. كان بإمكان الولاياتالمتحدة أن تقنع الرئيس عباس بالتخلي عن المبادرة في الاممالمتحدة لصالح استئناف المفاوضات لو انها اكدت له أنه إذا لم تستطع حكومة نتانياهو وليبرمان توفير خطة سلام خلال فترة معقولة من الزمن علي اساس حدود 1967، والتبادل المتساوي المتفق عليه للاراضي والمشاركة في القدس، فإن الولاياتالمتحدة ستعمل علي وضع تلك الخطة امام مجلس الامن الدولي. إلا أن مما يؤسف له ان الولاياتالمتحدة لا تجد في نفسها الشجاعة السياسية للقيام بذلك. وبدلا من تمكين الرئيس عباس من سحب مبادرته من الأممالمتحدة بتزويده بتبرير لمثل تلك الخطوة، فان الولاياتالمتحدة سعت الي ارهاب القيادة الفلسطينية لتغيير موقفها بالتهديد باستخدام حق «الفيتو» في مجلس الأمن، وبانهاء المعونة المالية الأمريكية للسلطة الفلسطينية. واذا نحينا جانبا جبروت التهديد بهذه «العقوبة» التي لن تكتفي بإنهاء التعاون الامني الفلسطيني - الإسرائيلي ولكنها ستزيد من احتمال قيام انتفاضة ثالثة ففي اي وقت هدد رئيس أمريكي اخيرا حكومة اسرائيلية باي نوع من العقوبات بسبب رفضها لنصيحة الولاياتالمتحدة، حتي عندما تكون الاجراءات الاسرائيلية مخالفة، بلا ادني مجال للشك، للقانون الدولي؟ ان «الجريمة» الفلسطينية بالتحول الي الاممالمتحدة للتخلص من احد اطول حالات الاحتلال العسكري في التاريخ المعاصر، وفي جزء منه لردع من هم في صفوفها ممن فقدوا كل امل عن اللجوء الي العنف ما دعا الي رد أمريكي مبالغ به يمكن ان ينظر اليه في الواقع كعمل من اعمال السيادة يستحق التشجيع والتقدير.. الا ان سرقة ميراث الاراضي من الشعب الفلسطيني وهو كيف ان قرار التقسيم الدولي في العام 1947 حدده، ليس بالضفة الغربية بل والاراضي التي توازي ضعف حجمها هو جريمة بمقتضي القانون الدولي، مثلما يعتبر نقل مواطنين اسرائيليين الي الاراضي المحتلة. غير ان هذه الجرائم لم تلق اكثر من الملامة الأمريكية الفارغة التي تتبعها علي وجه التأكيد تكرار التشديد الحازم علي ثبات الروابط الأمريكية مع اسرائيل. ويكشف التناقض بين الرد الأمريكي علي التجاوزات الاسرائيلية والفلسطينية عن عدم جدوي الاعتماد علي الولاياتالمتحدة لتقديم اطار عمل عادل ومتزن الي الجانبين من اجل حل الوضع النهائي، علي ان تستخدم بعده قوة كبيرة للتحقق من تنفيذه.. وبخلاف ذلك، فانه يمكن الاعتماد علي الولاياتالمتحدة لجعل حماية المصالح الاسرائيلية كما تحددها حتي اكثر حكوماتها رجعية وكراهية للاجانب اهم اولوياتها. وسيعمل الكونجرس الأمريكي، ان لم يكن البيت الابيض، علي إتمام ذلك. لدي الرئيس عباس وانصاره من الاسباب ما يجعلهم واثقين من انهم برفض سحب مبادرتهم من الاممالمتحدة، قد اختاروا الطريق الصحيح. ولا بد للفلسطينيين والمجتمع الدولي ايضا من ان يتصالحوا مع حقيقة ان حل الدولتين يجب ان يتحقق ليس من دون مساعدة أمريكية فحسب،وانما ايضاً بالرغم من معارضتها. ان قراراً من الجمعية العامة للامم المتحدة يؤكد حق الفلسطينيين بان تكون لهم دولة ضمن حدود 1967 ومنحهم صفة مراقب ل»دولة غير عضو«، لن يؤدي الي تقدم فوري لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الا ان من المحتمل ان يثير ردود فعل عالمية ضد استمرار اسرائيل في الاصرار علي عدم حصول الفلسطينيين علي نسبة 22 % من فلسطين وهي ما ابقي لهم. وسيحمل رد الفعل معه فرصا بعيدة الاثر لإعادة الاسرائيليين إلي رشدهم، ولمبادئ مؤسسي دولة اسرائيل، اكثر من اي جهود أمريكية جوفاء حتي هذا اليوم. مجلة فورين بوليسي رئيس المشروع الأمريكي للشرق الأوسط ترجمة - داليا طه