مر عام كامل علي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض دون أن تعقد ولو حتي مفاوضات شكلية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ناهيك عن نتائج فعلية تطبق علي الأرض لخدمة عملية السلام في الشرق الأوسط، ومن ثم لم يطرأ جديد علي أطروحات حل الصراع المعقد الذي أقر أوباما مؤخرا بأن حله أصعب مما كان يتوقع بعد أن كان مصدر الهام الكثيرين. هنري سيجمان وهو المدير السابق للعديد من المنظمات اليهودية الأمريكية شرح الشهر الماضي رؤيته للسلام بالمنطقة في مقال تحليلي بعنوان "فرض السلام في الشرق الأوسط" نشره مركز بناء السلام النرويجي، علي أساس أن أمريكا خرجت من مربع زعامة جهود السلام بالمنطقة وأنه لا مفر سوي فرض السلام علي جميع الأطراف متجاهلا حقيقة التدخلات الأمريكية لاعاقة أي جهود في هذا الصدد. قال سيجمان وهو رئيس مشروع الشرق الأوسط التابع لمجلس العلاقات الخارجية حاليا ان استمرار التوسع في المستوطنات في الضفة الغربية خير دليل علي مشروع اسرائيل الاستعماري الدائم، وهو ما جعل اسرائيل تتحول لنظام فصل عنصري في العالم الغربي.. وبما أن أمريكا ليست وحدها التي تتدخل في مسار السلام الفلسطيني الاسرائيلي فانه يتعين علي الأوروبيين ايجاد حل آخر يقرر به الفلسطينيون مصيرهم بحيث لا يستمر عدم التوازن في القوي بين اسرائيل والفلسطينيين والا قضي علي حل الدولتين. بالطبع لا يقصد سيجمان تحول اسرائيل لنظام فصل عنصري علي غرار جنوب افريقيا سابقا في أعين الحكومات الغربية والا لكانت تحركت للتخلص من هذا الفكر الظالم ونشطت في جهود انشاء الدولة الفلسطينية بل وحتي علي مستوي الشعوب الغربية فلا يمكن القول بأنها باتت تري في اسرائيل نظاما عنصريا والا لكانت ضغطت علي حكوماتها المنتخبة لتغيير مواقفها، أما حل الدولتين فلا يبدو أنه أصبح حلا واقعيا يمكن ترويجه بشكل منطقي في ظل اقتراحات تبادل الأراضي التي يتم تداولها بين الحين والآخر (خاصة حل سيناء) وفي ظل رفض اسرائيل تفكيك المستوطنات وتمسكها بالاعتراف بها كدولة يهودية. ومن اسرائيل، جاءت أطروحة أخري تقوم علي السلام الاقتصادي وهي فكرة متداولة منذ سنوات عديدة يكررها الاسرائيليون دوما بحجة أن تطوير الاقتصاد وتحسين حياة الأفراد وحدهما يخدمان السلام حتي ولو لم تتم معالجة القضايا السياسية الشائكة. في مقال نشره مركز القدس للشئون العامة منذ أيام بعنوان "احتمالات التعاون الاقليمي العربي الاسرائيلي"، قال سيلفان شالوم نائب رئيس الوزراء الاسرائيلي ان التعاون الاقليمي في الشرق الأوسط يبدأ باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين والاهتمام بالجانب الاقتصادي، لكن المفاوضات يجب ألا يستبقها تجميد الاستيطان كشرط لبدء الحوار أو الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية، مساويا بين اعتراف اسرائيل بالحق الفلسطيني في دولة مستقلة والاعتراف الفلسطيني بوجود اسرائيل كدولة يهودية! أما المسار الاقتصادي الذي رسم ملامحه الرجل الثاني في الحكومة الاسرائيلية فيدور حول انشاء منطقة صناعية في بيت لحم في مشروع شراكة بين اسرائيل والاتحاد الأوروبي وفتح اسرائيل طريقا سريعا للسيارات يربط اسرائيل بمدينة جنين في الضفة ويساهم في زيادة تسوق عرب 48 في نابلس بما يعزز الاقتصاد الفلسطيني. حزمة اقتراحات شالوم ضمت أيضا مشروع قناة مائية تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت (علي أمل أن تكون بديلا عن قناة السويس بالنسبة للسفن) وتطوير المنشآت حول نهر الأردن لتعزيز السياحة بالاضافة الي منح تراخيص لمستثمرين أردنيين لتمكينهم من البناء في رام الله. فكرة السلام الاقتصادي كانت أيضا محور الدراسة التي أعدها آدم روبرت جرين الباحث المتخصص في الاقتصاد السياسي ونشرها معهد الشرق الأوسط في يناير الماضي بعنوان "السلام الاقتصادي في الضفة الغربية وخطة فياض: هل ينجحان؟". وبالرغم من أن الباحث اعتبر أن السلام الاقتصادي قد يكون نقطة البداية لعملية تفاوض تنتهي بإعلان الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا أنه استدرك قائلاً إن إرساء دعائم الاقتصاد الفلسطيني غير ممكن في ظل الإجراءات الأمنية الإسرائيلية المتشددة في الضفة الغربية وقطاع غزة.