لقد نجحت ثورة 25 يناير السلمية.. التي قام بها المصريون في إبهار الدنيا وإذهالها وذلك بنجاحها في إزاحة مبارك ونظامه الفاسد. المصريون الذين أبهروا العالم بحضارتهم قديماً لقنوا العالم درساً بليغاً بثورتهم.. وشهد العالم أجمع ولأول مرة في تاريخ هذا الوطن.. الرئيس السابق ونجليه وزبانية حكمه في قفص الاتهام. هل تنجح الثورة في إزالة يد العبث والإهمال التي طالت القاهرة الخديوية والتي تسمي مجازاً وسط البلد؟ هل تتطهر مبانيها العريقة من التشويه الذي أصابها وتماثيلها المتفردة التي تزين ميادينها وكأنها متحف مفتوح؟ هل تعيد الثورة لها بهاءها ورونقها؟ أكدت الدكتورة سهير حواس رئيس الإدارة المركزية للجهاز القومي للتنسيق الحضاري ل«روزاليوسف» أن الأوضاع الحالية لمنطقة وسط البلد «متحف التماثيل والمباني الأثرية والتاريخية» معرضة لأخطار الصدأ والتآكل والعوامل الجوية خاصة مع افتقادها الرعاية والصيانة العلمية الدقيقة مستشهدة بطلاء تلك التماثيل علي أساس أنه ترميم للأثر وهو ما يعرض التماثيل للتشويه، مشيرة لوجود إدارة تسمي إدارة التماثيل الميدانية بمحافظة القاهرة مهمتها الأساسية تنظيف وحماية ورعاية تلك التماثيل من التعديات، لكنها لا تتم وفقاً لأسلوب علمي وجدول محدد ودقيق، مشددة علي ضرورة معاينة كل التماثيل الموجودة بالميادين وليس فقط وسط البلد. أضافت: إن تمثال عمر مكرم الكائن أمام مسجد عمر مكرم ومجمع التحرير يتآكل وفقد لونه ويحتاج لترميم وصيانة عاجلة إضافة إلي أن لصق الإعلانات والملصقات الورقية عليه تزيد من المخاطر المؤثرة عليه.. كذلك تمثال عبدالمنعم رياض الذي وصفت حالته بالمزرية نتيجة وقوعه في قلب أحداث ثورة 25 يناير، حيث بهتت ألوانه وقشرته الخارجية أخذت في التآكل والوقوع، بالإضافة إلي قيام البعض بوضع ملصقات وإعلانات عليه معتبرة هذا إساءة لصورة مصر وتاريخها. ويضيف الدكتور خالد رئيس قسم الديكور بكلية الفنون الجميلة: ضعف الاهتمام الرسمي المصري وكبار المسئولين لأهمية وقيمة التماثيل الميدانية في مصر عموماً ووسط البلد خصوصاً بسبب ما أسماه الخوف من عناصر دينية ترفض وجود مثل تلك التماثيل في الشوارع والميادين وهو ما ترتب عليه غياب التكليفات الرسمية لفناني ونحاتي مصر بإقامة تماثيل أو ترميم الموجود.. فكانت النتيجة ما تعانيه تلك التماثيل القائمة الآن من إهمال.. مؤكداً علي أن ميدان التحرير قد تحول إلي رمز للحرية والثورة المصرية كان من المفترض أن يوضع به تمثال للرئيس جمال عبدالناصر ولا تزال قاعدته تنتظر الخطة. وفي ذات السياق تتعرض أهم المباني التاريخية في منطقة وسط البلد وتحديداً الثلاث عمارات الكائنة بميدان طلعت حرب وكل منها آية في الجمال والطراز المعماري المميز لنفس الأخطار التي تتعرض لها تماثيل وسط البلد مع انتشار لصق الإعلانات التجارية علي جوانبها وتركيب بعض الإعلانات عليها باستخدام الحديد والأسمنت ما يشوه منظرها الجمالي ويؤثر علي حالتها المعمارية وبالتالي الإنشائية وهي مبنية وفق طراز أوروبي ممزوج بالطراز الفاطمي المصري اختاره الخديو إسماعيل عندما كان يسعي لجعل عاصمته مماثلة للعواصم والمدن الأوروبية فاستعان بكبار المهندسين المعماريين الفرنسيين في وقته مثل ديوكساتامان وأنتينو لاشياك وهو ما يفسر ميل الطرز المعمارية لتلك المباني للطابع الفرنسي وهو ما تكشفه بوضوح العمارة التي تحمل رقم 22 شارع قصر النيل والتي تصفها دكتورة سهير حواس بأنها بنيت عبر المزج بين طرازي الباروك والملكة فيكتوريا وهي الأكبر مساحة مقارنة بالشرفات الأخري إضافة إلي تميزها بواجهتها التي تطل علي ميدان طلعت حرب وشارع طلعت حرب وقصر النيل وبناها المهندس المعماري الفرنسي ليونافيليان عام 1934 وتعاني من تشويه جراء لصق الإعلانات علي جوانبها وجدرانها، إضافة لسطوة الإعلانات التجارية الضخمة عليها ووجود محلات بها تعتمد الطرز الحديثة التي لا تتناسب مع الطراز المعماري وتاريخه. وكذلك الأمر مع عمارة صيدناوي فهي تطل مباشرة علي الميدان وشارع قصر النيل لكنها الأعلي ارتفاعاً بين عمارات الميدان، حيث يصل عدد طوابقها إلي ستة طوابق وتحظي بأكبر عدد من الشرفات والواجهات حيث تصل ل14 شرفة في الطابق الواحد مما يتيح لساكنيها رؤية الميدان من كل زاوية وناحية وتعاني أيضاً من التشويه والإعلانات والمحلات بينما تسير الأوضاع أكثر هدوءاً بالنسبة للعقار رقم 8 والمطل أيضاً علي الميدان فهو بسبب عدم وجود مؤسسات تجارية به وبنوك كبري يحارب للبقاء والحفاظ علي رونقه وهو يعد الأقدم إنشاء والأقصر ارتفاعاً والأكبر مساحة حيث يرجع تاريخه إلي سنة 1903 ويتميز بشكله الدائري وتركز الزخارف في الشرفات فقط دون باقي أجزاء المبني.. فهل تمتد الثورة إلي هذه الثروة الفنية الرائعة فتحافظ عليها وتعيد إليها رونقها وبهاءها.