أريد أن أقدم لكم عبدالسميع.. ولو أنه لم يعد في حاجة إلي تقديم! كان ذلك في عام 1946، وكان رسام «روزاليوسف» قد تركها فجأة.. كالسكتة القلبية! وكان علي أن أبحث عن رسام آخر في خلال يوم واحد لألحق بالمطبعة. ووجدت واحدًا.. ثم آخر.. ثم ثالثًا.. حتي جمعت في الدار كل من يستطيع أن يخط خطا كاريكاتوريا من الرسامين كبارا وصغارا. ورغم ذلك مضت شهور.. شهور طويلة.. وأنا لا أزال أبحث عن رسام! وكدت أيأس ومرت علي فترات فكرت فيها جديا أن أعرض علي السيدة فاطمة اليوسف أن تنشر في مجلتها صورا فوتوغرافية وأن تطبعها بالروتغرافور.. وكأني كنت أفكر في الانتحار، فإني أكره الصور الفوتوغرافية في الصحف، وأكره الصور الفوتوغرافية في الصحف. هل تعلم أن عبدالسميع لم يدخل مدرسة رسم.. إنه فنان شيطاني نبت في صميم الشعب.. عصامي في فنه، خلق نفسه بنفسه. إن عبدالسميع ظاهرة طبيعية تؤكد أن هذا الشعب شعب فنان.. لا ينقصه سوي أن تستخرج جواهره وتصقل وتشذب، حتي تستخرج ألف عبدالسميع من منجم الشعب! *** وبعد. فقد قلت إنني لن أقدم لكم عبدالسميع، فهو لم يعد في حاجة إلي تقديم. وربما كنت أريد أن أقدم لكم هذا الكتاب.. فهو يضم بين صفحاته أجمل لحظات عمري.. لحظات جلست فيها مع عبدالسميع نتبادل الأفكار، ونسخر من الساسة، ومن الملوك، ومن كل القوي.. لحظات كفاح متعب ولكنه لذيذ. ولذة العمر.. في الكفاح! إحسان عبد القدوس