استوقفنى فى الفترة الأخيرة عدة علامات استفهام تدور حول النقد الموجه لمؤسسة الأزهر الشريف التى لى شرف الانتماء إليها فكرًا وعملًا، مع إغفال للجهود المبذولة فى المجالات جميع وخاصة فى مجال تجديد الخطاب الدينى ومواجهة الفكر المتطرف، ومن أهم هذه الأسئلة: هل هذا النقد الموجه نقد بنَّاء يصب فى صالح المؤسسة توجيهًا ونصحًا للإسهام فى دعم دورها المنوط بها كمرجعية عالمية لأهل السنة والجماعة، أو أنه نقد يراد به تشويه وهدم ما تقوم به المؤسسة من جهود حثيثة تحمى فكر الوسطية والاعتدال؟! والحقيقة التى لا مراء فيها أن الأزهر مؤسسة تقبل النقد البنَّاء، بل إنها ترحب به إذا كان يهدف إلى تحقيق الخير والسلام المجتمعى للمواطنين بل للمسلمين فى شتى بقاع المعمورة، ويقوم على إقرار الجهود المبذولة لا إنكارها وغض الطرف عنها بصورة متعمدة أحيانًا، ويكون لبنة تضاف لتسد ثغرة أو تساعد فى أداء الدور المنشود من تلك المؤسسة كمرجعية إسلامية مستنيرة، أما النقد الذى يهدف إلى التشويه والهدم وجحود الجهود والمساعى المحلية والإقليمية والدولية لإقرار السلام ونشر ثقافة التسامح والتعايش وتوضيح المفاهيم المغلوطة، فهو أمر لا نقبله وسنواجهه بكل قوة؛ لأنه نقد يراد به باطل وكأن سقوط هذه المؤسسة وتحطيم رمزيتها لدى مسلمى الداخل والخارج أصبح هدفًا لبعض أصحاب المصالح! وفى إطار هذا التجاهل والتغافل عما يقوم به الأزهر من جهود، لم أعجب وأنا أتابع الإعلام التقليدى سواء من خلال قراءة بعض الأخبار والمقالات الصحفية أو من خلال مشاهدة بعض البرامج الحوارية، من التجاهل غير المفهوم وغير المبرر لجهود الأزهر الشريف على المستويات كافة، خاصة فى هذه المرحلة الدقيقة التى تمر بها بلادنا بل والعالم أجمع، مما يتطلب تضافر جهود المؤسسات المعنية لنشر ثقافة التسامح والعيش المشترك وقبول الآخر وتصحيح المفاهيم المغلوطة ومواجهة التطرف والإرهاب الذى استشرى فى العالم كله، ولا شك أن هذه الجهود لن تؤتى ثمارها المرجوة إلا إذا وصلت إلى أكبر عدد من الناس من خلال تسليط المؤسسات الإعلامية والصحفية الضوء عليها كما ينبغى، فلعل كلمة طيبة أو تصحيحًا لمفهوم أو توضيحًا لحكم شرعى يغير مسار شخص مغرر به من كونه قنبلة قابلة للانفجار إلى عنصر صالح فى المجتمع. ومن جهود الأزهر الشريف على مستوى الحوارات الموسعة فى إطار تجديد الخطاب الدينى وتصحيح المفاهيم المغلوطة، كان هناك لقاء تاريخى لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر بجامعة القاهرة، وكان هذا اللقاء انطلاقة لسلسلة لقاءات حوارية مفتوحة مع الشباب؛ حيث تبعه العديد من الحوارات الموسعة مع الشباب بمعرفة المناطق الأزهرية وإدارات الوعظ بالمحافظات، وكانت هذه اللقاءات تتوج بجلسة حوارية مفتوحة تشهد حضورًا لافتًا للشباب من الجنسين بمختلف مراحلهم العمرية وانتماءاتهم الفكرية ومعتقداتهم الدينية، وقد تم عقد عدد من اللقاءات الحوارية الموسعة حتى الآن فى محافظاتالفيوم وبنى سويف وأسيوط وسوهاج وأسوان والوادى الجديد ودمياط وبور سعيد والإسكندرية ومرسى مطروح وكفر الشيخ، بمشاركة فاعلة من قيادات الأزهر، وممثلين عن الكنيسة المصرية، بالإضافة إلى القيادات التنفيذية والأمنية والشعبية بكل محافظة من هذه المحافظات يتقدمهم السيد المحافظ، ووكلاء الوزارات المختلفة، فضلًا عن حضور بعض أعضاء مجلس النواب عن المحافظة التى يعقد فيها اللقاء، وقد اضطررنا لإيقاف هذه السلسلة من الحوارات الموسعة بسبب انشغال الشباب بامتحانات الفصل الدراسى الأول، وسوف نستكمل هذه اللقاءات فى بقية محافظات الجمهورية بعد الانتهاء من الامتحانات بمشيئة الله، وبناء على نتائج هذه اللقاءات الحوارية فى جميع محافظات الجمهورية سنقوم بإعداد ورقة عمل وطنية تمثل رؤية استراتيجية شاملة لترسيخ القيم والمبادئ والأخلاق ووضع أسس سليمة لتجديد الخطاب الدينى مع الحفاظ على الهوية المصرية. أما المؤتمرات والندوات التى عقدها ويعقدها الأزهر فأكثر من أن يتسع المقام لذكرها، ولعل أبرزها فى المرحلة الأخيرة مؤتمر الأزهر العالمى لمحاربة التطرف والإرهاب. وأما عن جهود «بيت العائلة» بالمحافظات فقد وصلت إلى مستوى كبير؛ حيث التصدى لكل محاولات الوقيعة بين شركاء الوطن الواحد، والمشاركة فى الأنشطة الرياضية والثقافية، وغيرها من الجهود المباركة التى تعزز روابط الألفة والمحبة بين نسيج المجتمع، أضف إلى ذلك الجهود التى يقوم بها مرصد الأزهر ومواجهته للفكر المتطرف بمختلف اللغات، وكذلك القوافل الدعوية والطبية عابرة الحدود؛ حيث تجوب مصر والعالم حاملة معها الدواء الشافى للأفكار والأبدان. ومع ذلك، فهناك تجاهل واضح وعجيب فى الوقت ذاته لجهود الأزهر غير المسبوقة فى جميع المجالات، تلك الجهود التى قال عنها بعض من كانوا يهاجمون الأزهر حين اقتربوا واطلعوا على بعضها إنها جهود تعجز بعض الدول عن القيام بها، فلماذا إذًا غض الطرف عن توفيق الله ل«بيت العائلة» فى جهوده لوأد الفتن فى مهدها، بل والهجوم على تلك الجهود بدعوى عرقلتها لتنفيذ القانون ومحاولتها إحلال الجلسات العرفية محل الإجراءات القانونية المتبعة؟! وهو نفس الادعاء الذى يوجه لجهود لجنة المصالحات الناجحة التى أنهت بفضل الله العديد من الخصومات الثأرية بمحافظات مصر المختلفة وخاصة الصعيد فى ظل تكتيم متعمد وتجاهل فاضح من وسائل الإعلام، مع أننا دائمًا ما نعلن أن تلك الجهود خاصة بالسلام المجتمعىي، أما المشاركون فى هذه الجرائم سواء الطائفية أو الجنائية فأمرهم لجهات التحقيق والقضاء، بل إننا لا نتدخل إلا بعد تسليم المطلوبين والمحكومين للجهات المختصة، وكل ما نرجوه ونبذل قصارى جهدنا لتحقيقه هو منع اتساع دائرة الدم بين الأبرياء! لماذا الصمت وغض الطرف عن توفيق الله لوفد «بيت العائلة» إلى إفريقيا الوسطى فى تحقيق مصالحة تاريخية بين الفرقاء بحضور رئيسة الجمهورية فى وقت عجزت فيه كبرى الدول عن تحقيقها أو لم تشأ إتمامها؟! لماذا هذا التجاهل لما تقوم به خلية النحل الموجودة الآن فى الجامع الأزهر من أجل استعادة الجامع لريادته العلمية والفكرية من خلال عودة الأروقة الأزهرية إلى سابق عهدها وعزمها على فتح فروع لها فى مختلف المحافظات لتيسير الدراسات الحرة لكل الراغبين؟! لماذا هذا الفتور تجاه جهود مجلس حكماء المسلمين بقيادة شيخ الأزهر فى جمع فرقاء الأزمة فى ميانمار والانطلاق الفعلى فى طريق المصالحة والعيش المشترك فى وقت عجز فيه المجتمع الدولى عن وقف المجازر التى أرقت ضمائر الأحرار فى العالم كله واكتفى فقط بمجرد الشجب والإدانة؟! لماذا هذا التجاهل لجهود وجولات شيخ الأزهر شرقًا وغربًا من أجل مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا وتصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام والمسلمين لدى بعض صناع القرار فى العالم، وإقناع العالم بأن الحوار هو السبيل الوحيدة لحل جميع الأزمات والقضايا بدلًا من الحروب وفرض الوصاية على بعض الدول بالقوة؟! لا أدرى لصالح من كل هذا التجاهل وهذا التقصير فى تغطية وسائل الإعلام التقليدية من صحافة وتليفزيون وإذاعة لجهود الأزهر الشريف فى المجالات كافة! هل وصل تحكم وسيطرة بعض من يزعجهم استعادة الأزهر لمجده وريادته على الإعلام التقليدى إلى هذا الحد؟!