تعالوا نتكلم بصراحة.. الدنيا والعمل ومشاكل الحياة سرقت عمري، الاهتمام بأدق تفاصيل وهي عادة لأي صحفي يحاول الحفاظ علي لياقته الذهنية.. قراءة الصحف.. وسماع نشرات أخبار العالم.. حالات القتل في العراق وأفغانستان وباكستان والاعتصامات في مصر وحالة الانفلات والفوضي التي نعيشها، أتابع حالة تغيير الجلد والمواقف.. وظهور طبقة انتهازية جديدة تحاول بكل الطرق الحصول علي قطعة من تورته الثورة.. أحزاب الشقق المفروشة التي لا يعلم عنها شيئا سوي المنضمين إليها في محاولة منها للإعلان عن نفسها ذهبت إلي التحرير وعرفت أماكن الكاميرات وتليفونات مقدمي البرامج.. نعيش كمصريين فترة عصيبة.. شعاع الأمل مخنوق.. والظلام يكاد يخنقنا.. وسط هذه الظروف الصعبة ذهبت أنا وزوجتي وابني يوسف إلي زيارة بيت الله الحرام.. «الكعبة».. ومسجد «الرسول».. برغم أنني قد أديت العمرة من قبل إلا أن «العمرة» هذه كنت فيها أكثر عمقا وتدقيقا وملاحظة.. في المدينةالمنورة وداخل المسجد النبوي كنا نؤدي الصلاة جماعة.. أنظر إلي الألوان داخل المسجد من جنسيات مختلفة لغة واحدة نتحدث بها وهي لا إله إلا الله محمد رسول الله.. عندما دخلت أول مرة المسجد النبوي وقعت عيناي علي قبر رسول الله.. وجدت دموعي تنهمر.. سألت نفسي: لماذا نترك أنفسنا للحياة ومشاكلها لتسرق سنوات عمرنا؟! بعد صلاة الظهر وجدت زحاماً في منطقة ما.. وقفت في الطابور وفجأة قال لي ابني يوسف: نحن في الروضة الشريفة.. لنجلس لنصل العصر اندهشت لأن يوسف البالغ من العمر 13 عاما كان يقظا ليصل إلي الروضة الشريفة . في مكةالمكرمة كنت أتابع التفاصيل لتلك المدينة التي غزت قلوب مليارات من البشر.. حاولت الوصول للحجر الأسود ولكنني فشلت خوفا علي يوسف وزوجتي.. حالة من الجنون الإنساني تنتاب كل مسلم عندما يري الكعبة الشريفة.. الدموع تجسيد لحالة غسيل من الذنوب والتخلص من ارهاصات الدنيا.. أنا في ضيافة الله.. في منزله.. يسير بجواري أثناء الطواف وجوه آسيوية وغربية وإفريقية أسمع الدعاء باللغة العربية.. أنظر إلي الكعبة.. أقترب منها ألمس نسيجها بيدي وجدت ابني يوسف يتركني ويتثبت بالكعبة.. كأنه يقول لي «أنت والدي نعم» لكني في ضيافة الله.. حتي زوجتي التي كانت تطوف بجواري وجدتها هي الأخري تتشبث بالكعبة وتبكي.. بين الصفا والمروة لم أشعر بالتعب رحلة جاءت في وقتها.. دعوة بالزيارة للكعبة المشرفة ولمسجد الرسول وجدتها فرصة علي الأقل لأعيد النظر في كل حياة.. علي هامش تلك الزيارة لم تغب مصر عن المشهد.. العشرات من المصريين العاملين بالسعودية والمعتمرين.. كان السؤال الذي أتلقاه.. مصر إلي أين؟ انهم منزعجون جداً من برامج التوك شو.. تلك البرامج لا تقدم لهم إلا الحالة السوداء.. المصريون بالسعودية منزعجون جداً من «العراك» علي شاشات الفضائيات. كان ردي «مصر تعيش مرحلة بالفعل خطرة..» ولكن المصريين قادرون علي تخطي كل الصعوبات مهما كانت قوتها أو أسبابها. الشعب السعودي ودود.. مهتهم جداً بما يجري في مصر من باب الخوف علي البلد واليقين بأن إصلاح حال مصر هو الضمان لقوة العرب والمسلمين.. بعد أن أدينا العمرة.. قلت لزوجتي: عاوز أعمل عمرة لأمي رحمها الله.. وجدت يوسف يقول لي وأنا كمان سوف أؤدي العمرة لعمي خالد رحمه الله.. وزوجتي منحتها «لخالتها».. وبدأنا مشوار العمرة من البداية.. وبرغم أن حرارة الجو في مكة وصلت إلي 44 درجة ظهرا إلا أننا قررنا أن نؤدي عمرة قبل صلاة الظهر.. في أثناء الطواف اختلط العرق بالدموع بالدعوات وهو مشهد أعتقد لا يمكن أن أترجم معانيه.. حالة من غسيل بدني وذهني للشخص للتخلص من ثوابت الحياة كلها.. لم نشعر بحرارة الشمس إلا بعد أن عدنا للفندق.. كنت أتابع تصرفات صغيري خلال مناسك العمرة.. كان ناضجا لدرجة أنه قال لي «شوف الناس دي كلها وسط حرارة الشمس الحارقة.. يتزاحمون للوصول إلي الحجر الأسود.. وتأدية مناسك العمرة دون أن يشكو أي منهم حرارة الشمس وشدة الزحام» سألني أيضا: إذا كانت الكعبة قد وحدت بين قلوب البشر فلماذا لا يتحد المسلمون خارجها؟ لم أجد رداً للسؤال سوي أن الله قادر أن يوحد بين قلوب المسلمين في كل أنحاء العالم.. الطريق إلي الله سهل جداً، لكن معرفة هذا الطريق والوصول إليه هو الصعوبة نفسها.. أنا شخصياً وجدت الطريق إلي الله من خلال زيارة الأماكن المقدسة في الإسلام .