مع دخول عام ميلادى جديد يسعى البعض لاستقراء الطالع ومعرفة الحظ، من خلال اللجوء إلى بعض العرّافين أو «علماء الفلك» كما يطلقون على أنفسهم، فيخبرونهم بالتطورات المتوقع حدوثها بالعام الجديد، بل يسمون لهم أحداثًا بعينها، من المقرر وقوعها فى ذلك الجزء من العام، وبالفعل يلقى هؤلاء «العرّافون» رواجًا على القنوات الفضائية فى ذلك الوقت. الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتى الجمهورية السابق، أكد حرمانية سعى البعض لمعرفة الطالع، وما تقوله الأبراج فى العام الجديد، قائلا: « هناك علاقة بين الشمس وما يحدث فى الأرض وسيدنا إدريس هو الوحيد الذى وصل إلى طبيعة تلك العلاقة ولا يمكن شرعًا أن يتم التعرف عليها حاليًا من خلال علم الأبراج». وأضاف المفتى السابق أن علم الفلك لاعلاقة له بالتنجيم، لأن الفلك علم معتبر والمسلمون مارسوه، أما قراءة طالع الأبراج فأمر مختلف وهو تضييع للوقت، مؤكدًا أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- حرّم علينا التنجيم لإبعادنا عن عقلية الخرافة، وأن كل من يعمل فى التنجيم يعد دجالا. فى سياق متصل قال الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة والفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن جميع مساعى استشراف المستقبل أو العلم بالغيب بكافة صورها «حرام شرعًا»، مؤكدًا أن علم الغيب فى يد الله وحده. واستشهد كريمة بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حينما قال: «من أتى كاهنًا أو عرّافًا فقد كفر بما أُنزل على محمد»، وعليه فلا يجوز شرعًا الذهاب إلى من يدعون التنبأ بالغيب. وأوضح أستاذ الشريعة والفقه المقارن أن خطورة ذلك على الناس يكون فى الاعتقاد، لأن من أصول الإيمان فى الدين الإسلامى أن يؤمن الفرد بالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومره، مستشهدًا بقول الله تعالى: «وكان أمر الله قدرًا مقدورًا»، و«كان ذلك فى الكتاب مسطورًا». واستطرد قائلا: «الأمور تجرى بأقدار الله وأخشى على هؤلاء المصدقين للدجالين من الوقوع فى تذبذب العقيدة والعياذ بالله»، وتابع: «حتى لو كان ذلك من باب التسلية أو التفاؤل.. فلا يجوز التسلية بالغيبيات أو كل ما يتعلق بالله عز وجل». وشدّد على أن معجزة تأويل الأحلام لم تمنح إلا لنبيى الله يوسف ومحمد- عليهما السلام- فمن يدعى تأويل الأحلام يصب هو الآخر فى خانة الدجّالين والمشعوذين، فليس كل إنسان صالحًا لتفسير الرؤى، والأمم التى تتعلق بتفسير الأحلام تدل على تخلفها، لأننا يجب أن ننشغل بحاضرنا أكثر من أى شىء آخر. واختتم ناصحًا الناس مع بداية العام الميلاد الجديد: «عليكم أن تنشغلوا بإصلاح أنفسكم ونفع غيركم، فتلك هى رسالة الإنسان فى الحياة كما رسمها الإسلام». من جانبه حذر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالجامع الأزهر، الشيخ عبد الحميد الأطرش، الناس من نصب واحتيال المنجمّين، لأن الله وحده المختص بعلم الغيب والساعة، مستشهدًا بقول الله تعالى فى سورة «لقمان»: «إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْأَرْحَام،ِ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِى نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ، إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ». وتابع قائلا: «هذه العملية يتكسب منها العرّافون والدجّالون وللأسف يصدقها أنصاف المتعلمين، وليس المتعلمين كلهم»، مشيرًا إلى أن الله أطلع بعض الرسل على علم الغيب، فيما عدا المغيبات الخمس، مستشهدًا بقوله تعالى: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ». أما عن قدرة البشر على تأويل الأحلام، فوصفها ب«الاجتهادات»، لأن تلك المعجزة لقلة من الرسل منهم سيدنا يوسف عليه السلام، موضحًا مواصفات الرائى الذى يجوز له الاجتهاد فى تفسير الأحلام وهى أن يكون تقيا ورعًا، يصوم يومى الاثنين والخميس من كل أسبوع، ويصوم 3 أيام من كل شهر، وينام على طهارة، وليس فى قلبه غل أو حقد أو كراهية تجاه أى أحد، مستشهدًا بقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «الرؤية الصالحة يراها الرجل الصالح أو تُرى له». وتابع الأطرش قائلا: «سيدة تظهر فى الفضائيات بملابس شبه عارية.. هل يجوز لها تفسير رؤية مثلا؟»، موضحًا أن الرؤية تكون فى الثلث الأخير من الليل، وإن كانت فى منتصفه فهى «أضغاث أحلام». وعن هؤلاء المصدقين للدجالين قال: «هم جهلة يؤمنون ربما بدافع التفاؤل أو التشاؤم»، متابعًا: «نحن لا نطعن فى علم الفلك، ولكن علم الفلك ليس تنجيمًا، ونحن لا نعتمد عليه فى الأساس لرؤية هلال رمضان على سبيل المثال، وإنما نلجأ أولا لرؤية العين، ثم نستطلع علم الفلك فإن كانت مطابقة كان بها، وإن لم تطابق نأخذ أولى برؤية العين». واختتم بقوله: «أنصح الناس مع دخول العام الميلادى الجديد ألا يعتمدوا على أحد غير الله، فلا يقع فى الكون شيء إلا بإرادته عز وجل». وأخيرًا قال الشيخ محمود عاشور، وكيل الأزهر الأسبق، إن تلك التكهنات التى يدعيها «علماء الأبراج»، كما يطلقون على أنفسهم، قد تخطئ أو تصيب، فهى ليست بأشياء مُسّلم بها، مع العلم أنها نوع من أنواع الشرك بالله، وفق ما جاء به حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم: «من أتى كاهنًا أو عرّافًا فقد كفر بما أُنزل على محمد»، وعليه فلا يجوز شرعًا الذهاب إلى من يدعون التنبؤ بالغيب. وأوضح عاشور أن العديد من المثقفين والفنانين يذهبون إلى العرّافين لمعرفة «الطالع»، وبالفعل يعتمدون عليهم فى رسم خططهم المستقبلية، ويؤثر ذلك على معتقداتهم الدينية. وفرّق وكيل الأزهر الأسبق بين علم الفلك والدجل الذى يمارسه البعض، موضحًا أن علم الفلك قائم بذاته، يستند إلى حركة الشمس والقمر لمعرفة بداية الشهور ونهايتها، أما الشخص الذى يتنبأ بوفاة حاكم أو شخصية عامة، وخلاف ذلك من النبوءات، فما هو إلا دجّال، أطلق بعض التكهنات، قد تخطئ أو تصيب على سبيل الصدفة. وتابع: «حتى الرؤية قد تكون صادقة أو كاذبة، لأنها قد تكون حلمًا من الشيطان، وليست رؤية من الله»، مشيرًا إلى أن قدرة تفسير الرؤى لم تمنح لأحد بعد سيدنا يوسف، وأضاف قائلا: «الموضوع حاليا مجرد اجتهاد لا يعتمد على ذكاء أو فراسة.. ومرتبط أكثر بمدى ورع وتقوى المفسر». واختتم عاشور موجهًا كلمة إلى الناس مع بداية العام الجديد قائلا: «مضى العام السابق بخيره وشره، ونرجو من الناس العام المقبل أن يعملوا ويجتهدوا ويتقوا الله فى كل أمر يفعلونه.. فالدنيا تسير بالعمل ونحن من نحول ونصنع المعجزات فى المجتمع، فلا ينبغى أن نركن إلى ما دون ذلك».