رغم بشاعة وقسوة الحادث الإجرامى الإرهابى الذى تعرضت له الكنيسة البطرسية، فقد لفت الأنظار لواحدة من أهم وأجمل الكنائس فى مصر، خاصة أنها من الداخل بمثابة متحف للأيقونات واللوحات التى جسدت كثيرا من المشاهد فى الديانة المسيحية وحملت لمسة فنية إيطالية، كذلك لوحات الفسيفساء التى تضافرت مع الأيقونات لتصنع جمالا خاصا لا يدركه إلا واعى.. ولأن الحادث الإرهابى كان قاسيا ومؤلما لنا جميعا، قررنا أن نسلك طريقا مختلفا فى تسليط الضوء على الكنيسة.. ولنترك لجهات الأمن والتحقيقات عملها فى كشف ملابسات الحادث المأساوى، فيما نسلط نحن الضوء على الكنيسة من بوابة الفن المرسوم على جدرانها. وتاريخيا بنيت الكنيسة على الطراز «البازيليكى» ووضع تصميماتها المعمارى الإيطالى أنطونيو لاشياك الذى صمم كثيرا من المنشآت والعمائر الخديوية، وتضم مدافن أفراد عائلة بطرس باشا غالى، وانتهت أعمال بناء الكنيسة 21 فبراير 1912 بعد عامين من وفاة بطرس باشا فى 1910 كما هو مدون أعلى مدخل السلم المؤدى إلى الأضرحة والمدافن بالأسفل، واللوحات والأيقونات داخلها من أعمال الفنان الإيطالى «بريمو بابتشيرولى» ولوحات الفسيفساء «للكافاليرى انجيلو جيانيزى» من فينسيا. وعلى جدران الكنيسة بالداخل لوحات مرسومة لكل من القديس فيلبس الرسول والقديس توما الرسول والقديس متى الرسول والقديس يعقوب بن زيدى الرسول والقديس يوحنا الرسول ورئيس الملائكة غبريال المبشر ورئيس الملائكة ميخائيل رئيس الشماسين والقديس تداوس الرسول والقديس أندراوس الرسول والقديس برثلماوس الرسول والقديس يعقوب بن حلفا الرسول والقديس سمعان القانونى الرسول، كذلك لوحة لوحة حلول الروح القدس على الرسل فى عيد الخمسين ولوحة المجد لله فى الأعالى. علاء عبد الحميد على باحث فى التاريخ المعاصر كشف لنا عن كتاب يوثق لأعمال الزخرفة بالكنيسة وهو «كتاب العائلة البطرسية.. سيرة عائلة قبطية» الصادر عام 2010 عن إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، وقدم له الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية وإعداد الدكتور خالد عزب رئيس قطاع المشروعات والخدمات المركزية بالمكتبة وأيمن منصور مدير إدارة المشروعات الخاصة بالمكتبة ومحمد السيد حمدى، ويوثق الكتاب لواحدة من أهم العائلات السياسية المصرية التى لعبت دورا مهما فى المجتمع المصرى عامة والقبطى خاصة على مدى 150 عاما. وطبقا لما جاء بالكتاب، تنقسم التشكيلات الزخرفية فى الكنيسة إلى 3 أنواع، الأعمال الرخامية والتى تتمثل فى المنحوتات الرخامية فى تيجان الأعمدة بقبة الهيكل وقوام زخرفتها وهرة الأكنتس والصلبان واللوحة التأسيسية للكنيسة والتى كتبت باللغتين العربية والقبطية، والتشكيلات الفسيفسائية التى أسند تصميمها للفنان الإيطالى بريمو بانتشيرولى والذى حضر خصيصا لهذا الغرض من روما ومكث يعمل 5 سنوات، أما الفسيفساء من صناعة الكافاليرى أنجليو جيانيرى فى فينسيا. وتتركز التشكيلات الفسيفسائية فى الكنيسة البطرسية فى جدران الهيكل وبالتحديد فى منطقة حنية الهيكل وطاقيتها، وقوام تلك التشكيلات تصوير للسيد المسيح كتب فوقه بالقبطية والعربية «المجد لله فى الأعالى»، وعن يسارها مرقص الرسول وعن يمينه السيدة العذراء وتحتها صور أنبا أنطونيوس وأثناسيوس الرسولى وأنبا بولا وكيرلس الكبير والتى تشكلت جميعها بألوان جميلة بالفسيفساء الملونة على أرضية مذهبة. كما يوجد تشكيل من الفسيفساء بحينة المذبح الأول يصور تعميد السيد المسيح على يد يوحنا المعمدان فى نهر الأردن، كما يدور حول عقد الحنية وأرجلها تشكيلات من الفسيفساء التى تأخذ شكل الصلبان، ويوجد تشكيل من الفسيفساء بحنية المذبح الثانى وقوام زخرفته تصوير للسيدة العذراء جالسة على كرسى وهى تحمل السيد المسيح، كما يدور حول عقد الحنية وأرجلها تشكيلات من الفسيفساء بتكوينات نباتية ويعلو العقد عبارة مريم والدة الإله باللغتين القبطية والعربية. أما التشكيلات التصويرية بالفريسكو، وقد انتشرت على كامل جدران ومصلى الكنيسة والمذبحين، وتصاوير المذبح الأول من الكتاب المقدس تصور تجلى السيد المسيح وصورتان لمارمينا العجائبى وأبى نقر السائح وفوقهما صورة يعقوب أبى الأباء، ويوجد على يمين مدخل هذا المذبح حنية نصف دائرية تحتله تصويرة جدارية للقديس يوحنا الرسول. وتصاوير المذبح الثانى تتركز فى 3 أماكن، الأول فى الضلع الجنوبى للهيكل وهى عبارة عن تصويرة للسيدة صفا زوجة بطرس باشا غالى وهى تقدم للسيدة العذراء مبنى الكنيسة البطرسية وقد كتب تحت التصويرة العبارة الأتية «السيدة صفا تقدم للسيدة العذراء والدة الإله والرسولين بطرس وبولس هذه الكنيسة التى أنشأتها هى وأولادها نجيب وواصف وجليلة ويوسف لمجد الله ولذكرى المرحوم والدهم بطرس غالى باشا نيح الله تعالى نفسه فى فردوس النعيم»، ويكتنف التصويرة من اليسار تصويرة للقديسة حنة ومن اليمين تصوية للقديسة إليصابات. والمكان الثانى فى الضلع الشمالى حول المدخل عبارة عن تصويرة للنبى داود أعلى المدخل، وتصويرة لماريا القبطية على يمين المدخل وتصويرة للقديسة بابرة على يسار المدخل والمكان الثالث بالحنية التى توجد بالضلع الشمالى وقوامها تصويرة للقديس بولس الرسول وقد زخرفت أرجل عقد الحنية بزخارف رائعة لطاووس وتكوينات من الزخارف النباتية. وتزخر الكنيسة بمجموعة من التصاوير الجدارية من الكتاب المقدس وتوزعت فى أماكن عدة، ففى أعلى المدخل المؤدى إلى الرواق الجنوبى توجد أيقونة صغيرة لإسحق أبو الآباء، كما يحتل الجدار الجنوبى من هذا الرواق صفين من التصاوير، الصف الأعلى تحته تصويرة للسيد المسيح وعلى جانبه العذارى العشر، ويشغل الصف الأسفل تصوير لشخصيات مقدسة على النحو التالى من الغرب للشرق:الملاك روفائيل وخمسة تلاميذ هم سمعان ثم يعقوب بن حلفى وبرثولومارس وأندراوس وتادرس والملاك ميخائيل، وقد كتب تحت تصويرة كل تلميذ اسمه بالقبطية والعربية. أما الرواق الأوسط من الكنيسة فقد غشيت جدرانه بتصاوير من الكتاب المقدس إذ يعلو المدخل المؤدى إلى هذا الرواق من الداخل صورة للسيد المسيح وبيده كتاب مفتوح عليه بالقبطية ما ترجمته «الكلام الذى أكلمكم به هو روح وحياة»، وعن يمين صورة المسيح صورة مارجرجس وكتب تحتها على لوح رخامى بالقبطية تاريخ إنشاء الكنيسة وعن يسارها رسم للشهيد أبى السيفين، وتحت صورة المسيح لوح من الرخام كتب عليه باللغة تاريخ إنشاء الكنيسة، كما غشيت كوشات العقود وأعلى العقود بتصاوير من الكتاب المقدس، إذ يشغل الحائط الجنوبى من هذا الرواق تصاوير لمرقص الإنجيلى والعشاء الأخير وصلب المسيح وقيامتع وصعوده وحلول الروح القدس ويوحنا الإنجيلى. ويشغل الجدار الشمالى من هذا الرواق تصاوير لمتى الإنجيلى والبشارة وميلاد المسيح وهروبه إلى مصر ومعجزة السمكتين ودخول المسيح أورشليم ولوقا الإنجيلى، أما الرواق الشمالى فقد غشيت جدرانه بالتصاوير أيضا، حيث غطيت جدران الحائط الشمالى من هذا الرواق بتصاوير فى صفين، الأعلى يوجد به تصويرة للقديسة دميانة وحولها العذارى الأربعون، أما الصف الأسفل فيوجد به تصاوير للملائكة والقديسين، فقد صور عليه الملاك غبريال وبيده درج كتب بالقبطية، ويوحنا الإنجيلى وبيده درج كتبه عليه بالقبطية، ويعقوب بن زيدى وبيده درج كتب عليه بالقبطية، ومتى الرسول وبيده كتاب كتب عليه بالقبطية، وتوما الرسول وفيلبس والملاك سوريال، كما يعلو الباب المؤدى لهذا الرواق من الداخل صورة إبراهيم أبو الآباء. وفيما قررت وزارة الآثار تشكيل لجنة من رؤساء قطاعات الآثار الإسلامية والمشروعات والترميم لزيارة الكنيسة البطرسية خلال أيام وحصر تلفياتها لوضع خطة ترميمها، علمنا بأنه فى 2006 أجريت ترميمات للكنيسة بناء على طلب إدارتها من المركز الإيطالى المصرى للترميم والآثار بالتدخل لترميم الكنيسة، حيث قام بروفيسور جوزيبى فنفونى مدير المركز الإيطالى المصرى للترميم والآثار مع مساعده د. على طه عمر مدير قسم الترميم بالمركز بعمل دراسة لحالة المبنى وحالة العناصر المعمارية والفنية المكونة له، وكانت المشكلة الرئيسية التى تعانى منها الكنيسة حينها وتؤثر على حالة الصور الجدارية فى الكنيسة هى الرطوبة والأملاح، وقد كان قد تم من قبل عمل خندق داخلى فى الكنيسة داخل الجدران الرئيسية يقوم بخفض منسوب المياه الأرضية داخل الكنيسة، إلا أن هذا الخندق يقع داخل الجدران الخارجية وبالتالى كان حلا للمشكلة داخل الكنيسة والمقابر الموجودة، لكن لم يحل مشكلة الجدران الخارجية للكنيسة. وحينها تم التدخل فى علاج الشروخ الموجودة داخل الجدران خلف الصور الجدارية، تلاها بعد ذلك تثبيت الأجزاء التى سقطت وانفصلت من الصور الجدارية، كذلك استخلاص الأملاح من الأماكن المتاحة، حتى إذا لم يتم التخلص من الرطوبة لكن كان ضروريا إزالة تكلسات الأملاح، وبعد ذلك تم تثبيت الألوان واستكمال الناقص منها بأسلوب التنقيط، بعدها تم العزل للحفاظ عليها من عوادم الشموع والبخور التى تستخدم داخل الكنيسة، أما الفسيفساء كانت حالتها جيدة وتم تنظيفها فقط.