تتلاحق الأحداث.. وتزداد الأمور تعقيدا.. وتتدهور الأحوال.. وتزداد الحياة العامة ارتباكا.. وتتكشف الحقائق المرعبة شيئا فشيئا.. وتعود الثورة للمربع رقم واحد لتواجه الفساد بمفردها عارية الصدر.. و«براءة» الأطفال في عينيها.. ففي يوم واحد صدرت عدة أحكام «ببراءة» رموز الفساد وقتلة شهداء الثورة في عهد الرئيس السابق.. وجاءت الأحكام لتضع كل أسر الشهداء وكل المواطنين الشرفاء في حالة استفزاز يحرق الدم الفائر في الصدور.. فمن يسرق رغيفا ليسد جوعه.. ليس كمن يسرق وطنا بأكمله.. ومن يسرق بائع الخبز.. ليس كمن يسرق شعبا تعداده 80 مليون نسمة، إنها مفارقات تؤكد أننا «شعب طيب» والطيبة فينا بلوة.. تاخذنا من قريب.. وتجيبنا كلمة حلوة.. فقد صدر الحكم ببراءة كل من «أحمد المغربي، وعهدي فضلي» من تهمة إهدار المال العام.. وبراءة كل من «أنس الفقي، ويوسف بطرس غالي» من تهمة إهدار 35 مليون جنيه تم صرفها علي دعاية الحزب الوطني.. وتم إخلاء سبيل «أسامة الشيخ».. وفي السويس صدر أكثر الأحكام استفزازاً بإخلاء سبيل جميع المتهمين في قضية قتل المتظاهرين في أحداث السويس يومي (28/25 يناير) وعددهم 17 شهيدا و300 مصاب.. وكانت المحكمة عقدت بحضور 7 متهمين من الأربعة عشر متهما لهروب الباقي مع أن من بينهم مدير أمن السويس السابق اللواء محمد عبدالهادي.. والعميد علاء الدين عبدالله قائد الأمن المركزي بالسويس والمليونير إبراهيم فرج وأولاده عيسوي وعادل وعربي!!.. وأمرت المحكمة بإخلاء سبيلهم لانتفاء الحبس الاحتياطي استنادا إلي «أن جميع المتهمين في قضايا قتل المتظاهرين جميعهم مخلي سبيلهم وهم مازالوا في الخدمة ولا يخشي من هروبهم». وإذا كان المغربي والفقي وعهدي والشيخ وبطرس غالي.. حصلوا علي حكم «تاريخي»!! بالبراءة فمن الذي سرق أموال المصريين؟! ومن الذي أفقر الشعب المصري.. ومن الذي اهدر ماله العام «أمي»!!.. وإذا تم إخلاء سبيل كل المتهمين بقتل الشهداء وإصابة المتظاهرين سلميا.. وباقي المتهمين مازالوا يمارسون أعمالهم بالخدمة ولم يتم حتي إجراء احترازي بوقفهم عن العمل لحين الفصل في القضايا المنظورة بالمحاكم.. إنهم بالفعل يستحقون جميعا «البراءة»!... لأن الشعب المصري أكثر «براءة» مما كنت أظن.. فنحن نطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية وهم يضعوننا بين خيارين لا ثالث لهما. إما الفوضي.. أو عودة ( عهد مبارك).. إما أن نتخلي عن حلمنا بالحرية والعدالة والكرامة والعزة.. وإما أن يطلقوا علينا كلاب الحراسة من (بلطجية) وميليشيات الحزب الوطني. وإما أن يعود النظام ليسلبنا كل شيء (بالقانون).. وبالتزوير.. وبالتدليس.. والخداع الإعلامي.... لقد أصبح هناك يقين لدي فلول النظام بأنهم لابد عائدون لسدة الحكم مرة أخري.. لأن كل شيء كما هو لم يتغير شيء في كل أجهزة الدولة فلم يسجن حتي الآن من رموز النظام سوي عدد يعد علي أصابع اليدين.. أما باقي النظام فمازالوا في أماكنهم يمارسون كل ما كان يمارس في عهد مبارك.. ولكن الشيء الوحيد الذي تغير هو قتل (الخوف) لقد قتل الخوف في كل الصدور.. ولن يعود ليعيش في صدور المصريين. وبراءة الفاسدين غير (براءة) الثورة.. وطيبة قلب الشعب المصري ليست قدراً.