حرصت الحكومة المصرية الحالية أن تؤكد منذ توليها المسئولية عقب ثورة 25 يناير علي أهمية تغيير قبلة الاستثمار والتجارة مع الدول الأفريقية وخصوصا دول حوض النيل ، وسعت في هذا الإطار إلي إبرام مجموعة من الاتفاقيات والمشاريع المشتركة مع السودان "عمقها الاستراتيجي في الجنوب " تحت شعار دفعة وروح جديدة من العلاقات بين البلدين. وتبادل مسئولو البلدين الزيارات لترجمة هذه الروح الجديدة في مجالات التعاون المختلفة وكان علي رأسها مشروعات الأمن الغذائي كمدخل للتكامل ، وبالتوازي منها عدد من المشروعات والاتفاقيات الصناعية والتجارية المشتركة التي يمكن أن تخدم الشعبين. ورغم تأكيد الطرفين علي أن الوضع مختلف هذه المرة وأن هناك جدية حقيقية لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، فإن بنود الاتفاق في مجالات التجارة والصناعة تواجه عدة قيود، وتحتاج إلي جهد حقيقي من الطرفين حتي تكون هناك نتائج مثمرة طالما انتظرها الشعبان في السنوات الاخيرة التي كثر فيها الحديث عن دفع عجلة الاستثمار والتجارة بين البلدين. * 19 سلعة محظورة من أبرز تلك التحديات استمرار الخلاف حول استيراد وتصدير بعض السلع بين البلدين حيث لاتزال السودان تفرض حظر استيراد 19 سلعة مصرية، وهو قرار فوجئ به المصدرون المصريون في منتصف شهر يناير الماضي من البنك المركزي السوداني ويقضي بمنع فتح أي اعتمادات مستندية خاصة باستيراد 19 سلعة للحد من الضغط علي العملة الصعبة وهو ما أدي إلي توقف معظم الصادرات المصرية إلي السودان. وتشمل قائمة السلع المحظور استيرادها طبقاً للقرار منتجات البلاستيك والجلود ومصنعاتها ومنتجات الألبان والحلويات والمعسل واللحوم ومصنعاتها والأثاث ومنتجات المنسوجات والملابس والمنتجات المعدنية والسيارات المستعملة. ورغم أن اتحاد الصناعات ومعظم الغرف التجارية المصرية تقدمت بشكاوي إلي رئيس مجلس الوزراء د.عصام شرف والمجلس العسكري بالتدخل لحل هذه الازمة وخصوصا في توقيت انعقاد اللجنة التجارية والصناعية المصرية - السودانية نهاية مايو الماضي بالقاهرة فإن اجتماعات اللجنة الأخيرة لم تخرج بأي توصيات لحل هذه القضية. واللافت أن توصيات الملف التجاري ركزت علي ضرورة الالتزام بزيادة الصادرات المصرية للسودان خصوصا في مدخلات الإنتاج الزراعي والصناعي والأدوية والسماد والمبيدات ، وتوقيع مذكرة تفاهم في مجال التجارة الخارجية بين البلدين. * ضمانات الاستثمار وفي نفس السياق خرجت المباحثات الرفيعة بين المسئولين في القاهرةوالخرطوم خلال الأشهر الماضية بعدة اتفاقيات لدفع عجلة الاستثمار والمشروعات الصناعية بين البلدين، ورغم ذلك فلا توجد تحركات ملموسة في هذا الشأن حتي الآن وإن كان الاهتمام بالجانب الزراعي هو الأكثر نشاطا. وشد هشام الحاروني نائب رئيس هيئة التنمية الصناعية علي ضرورة تفعيل ما يتم الاتفاق عليه بين مصر والسودان حتي لايكون مصير الاتفاقيات الجديدة نفس ما كان يحدث سابقا، وارجع جمود حركة الاستثمار الي حاجة المستثمرين الي ضمانات حقيقية تحمي مشروعاتهم. وقال إنه يجب أن تكون هناك حماية وتأمين للمشروعات الاستثمارية في السودان في ظل التوترات المختلفة هناك، بجانب وجود بنوك مصرية في الخرطوم تمول تلك المشروعات خصوصا أن خطابات الضمان التي تمنحها البنوك السودانية عالية جدا - علي حد قوله. وقال إنه يجب علي الحكومة المصرية أن تولي اهتماما أكثر بهذا الجانب وأن تستثمر ما يقرب من 120 مليون دولار خلال هذا العام في السودان باعتبار أن علاقتنا معها علاقة أمن قومي، مشيرا إلي أن أول المشروعات التي يجب ان نركز عليها هو مشروع مجزر آلي بجانب شاحنات ثلاجة وخط ملاحي بين بور سودان والسويس ، وسيوازي ذلك صناعات أخري مثل الدهون والشمع والجلود. من جانبه قال المستشار الاقتصادي بالسفارة السودانية في القاهرة ان قانون الاستثمار في السودان يعطي ضمانات كافة للمستثمرين من عدم التأميم وفي حالة المصادرة أو نزع الملكية وضمانات للحصول علي تعويضات، مشيرا إلي أن هناك ميزة يتمتع بها المستثمر المصري بسبب اتفاقية الحريات الأربعة. وأوضح أن قرار حظر استيراد 19 سلعة غير معني به مصر فقط ولكن محظور استيرادها من جميع الدول، لافتا إلي أنه يراجع ويسمح لبعض السلع حاليا بالدخول مثل المنتجات البحرية والاستعمالات الخاصة. يذكر أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسودان وصل إلي 735 مليون دولار مشيرا إلي أن منها 43 مليون دولار صادرات السودان، و692 مليونا صادرات مصرية، وهناك نحو 35 اتفاقية تم توقيعها بين البلدين منذ بدء أعمال اللجنة المصرية - السودانية المشتركة في عام 2003.