فى كل يوم نعرض لإحدى الشبهات الواردة عن السنة النبوية أو الرسول صلى الله عليه وسلم ونعرض الرد الوافى لها من الأزهر الشريف ونكمل اليوم الرد على الصحابى الذى تجسس لصالح المشركين ، حيث تقول الشبهة أين كانت عدالة الصحابة حين تجسس حاطب بن أبى بلتعة لصالح الكفار؟ و كيف أفشى حاطب أسرار النبى الحربية للعدو؟ و لماذا كفر عمر حاطبا بينما لم يكفره النبي؟ ويرد الأزهر الشريف قائلا: إذا نظرنا للحادثة التى معنا فلن نجد فيها ما يخل بعدالة الصحابة رضى الله عنهم، فإن ظاهر فعل حاطب رضى الله عنه لم يقبله أحد حتى النبى صلى الله عليه وسلم أنكر عليه الفعل، بل حتى حاطب نفسه أنكر المفهوم من ظاهر الفعل وأبدى العذر فقال: (وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ)، وأطلع الله تعالى نبيه على صدقه، فقَبِلَ عذره النبى صلى الله عليه وسلم ودافع عنه أمام جمع الصحابة وقال: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ». فماذا نحتاج إذن بعد إقرار الرجل على نفسه بعدم الكفر ولا الرضى بالمشركين، ثم بتصديق النبى صلى الله عليه وسلم له وهو الذى لا ينطق عن الهوى؟! كيف لنا بعد ذلك أن نطعن فى عدالة الصحابة والله نفسه هو المدافع عنهم! ثانيا: حاطبٌ رضى الله عنه ما قصد أن يعين الكفار حتى يغلبوا المسلمين، ولم يقصد أن يظاهرهم أو يناصرهم، وكيف يعقل هذا وهو أحد جند المسلمين المحاربين! وإنما ظن أن هذا الفعل لا يضر بالنبى ولا بأصحابه، فهو واحد منهم وما يضرهم يضره بلا شك!! بل يمكن به أن يخادع الكافرين فيظنوا أنه يراعى مصلحتهم، فيستبشروا ويحموا أهله فى مكة ويحافظوا على عرضه.. دون أن يساعدهم هذا الفعل فى شيء.. قال الحافظ ابن حجر: (وعذر حاطب ما ذكره؛ فإنه صنع ذلك متأولاً أن لا ضرر فيه) اه. ثالثا: التصديق أمر قلبى غيبى عن النبى صلى الله عليه وسلم لم يطلع عليه، وإنما الله تعالى وحده هو المطلع على ما فى القلوب، وإخبار النبى صلى الله عليه وسلم بذلك وإقراره بصدقه يعنى أن الله تعالى هو الذى أطلع رسوله على صدق ما قال حاطب، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم فى رواية: «صدق ولا تقولوا له إلا خيرا». رابعا: لم يقل أحد من المسلمين إن حاطبا رضى الله عنه كفر بفعله، حتى وإن اختلف العلماء فى هذا العمل هل يكفر صاحبه أم يعتبر من الكبائر ودون الكفر؟ ولذلك وصف عمر رضى الله عنه ما حدث بأنه فعل أهل النفاق والكفر، والرسول - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر على عمر - رضى الله عنه - تكفيره لحاطب، وبالتالى لا تعارض بين فهم عمر رضى الله عنه وبين فهم النبى صلى الله عليه وسلم أو صحابته، وإنما بين النبى أن هذا الحكم لا ينطبق على حاطب، لأنه صادق ومن علامات صدقه أنه صدَق النبى صلى الله عليه وسلم لما سأله، ولم يوارى عليه ما فعل، ولم يختلق الأسباب، ما يدل على سلامة نيته وصدق مقصده، وبراءته من النفاق، فإنه لو كان منافقاً لكذَّب الحديث، فمن خصال المنافق أنه إذا حدث كذب، وهذا لم يحدث، فهو لم يكذب ولم يخن! خامسا: فرق بين يقع فى الخطأ مرة وبين من يمارس ذلك مرات كثيرة، ومن الظلم أن نحمل على الصحابى الجليل ما لا يتحمل، فإن كان الفعل فى نفسه خطأً إلا أنه قد برئت ساحته منه بأمرين: الأول: أنه كان متأولا معذورا. والثاني: أنه قدَّم من نصرته للنبى صلى الله عليه وسلم ودفاعه عن الإسلام ما يدفع عنه مثل هذه الريبة، وما يقيله من شبهات هذه العثرة، والله أعلى أعلم.