فى كل يوم نعرض لإحدى الشبهات الواردة عن السنة النبوية أو الرسول صلى الله عليه وسلم ونعرض الرد الوافى لها من الأزهر الشريف واليوم نرد على الصحابى الذى تجسس لصالح المشركين، حيث تقول الشبهة أين كانت عدالة الصحابة حين تجسس حاطب بن أبى بلتعة لصالح الكفار؟ و كيف أفشى حاطب أسرار النبى الحربية للعدو؟ و لماذا كفر عمر حاطبا بينما لم يكفره النبي؟ ويرد الأزهر الشريف قائلا: كعادة هؤلاء القوم فى التدليس نرى فى هذا المقال طعنا صريحا فى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وإن كانت هذه الشبهة قد قالها ورددها من قبل أناس آخرون، فليسوا هم أول من ذكرها ولا أول من ادعاها وإنما هم يرددونها كما رددها من سبقهم، وقد فند العلماء كل الشبهات المتعلقة بهذه القصة وأجابوا عن كل تساؤلاتها من قديم فى كتب شروح السنة وغيرها، وسنكتفى بذكر القصة كما جاءت فى كتب السنة الصحيحة، ثم نردفها بحل الإشكالات التى طرحها الطاعنون فى عدالة الصحابة رضى الله عنهم فى لمحات موجزة، والله المستعان. والقصة كما رواها الإمام البخارى رحمه الله فى صحيحه: كتاب الجهاد والسير/ باب الجاسوس، عن على بن أبى طالب رضى الله عنه قال: بَعَثَنِى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ، وَالمِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ، قَالَ: «انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً، وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا»، فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الرَّوْضَةِ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، فَقُلْنَا أَخْرِجِى الكِتَابَ، فَقَالَتْ: مَا مَعِى مِنْ كِتَابٍ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِى بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنَ المُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟»، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّى كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِى قُرَيْشٍ، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ المُهَاجِرِينَ لَهُمْ قَرَابَاتٌ بِمَكَّةَ يَحْمُونَ بِهَا أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِى ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ بِهَا قَرَابَتِي، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلاَ ارْتِدَادًا، وَلاَ رِضًا بِالكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَقَدْ صَدَقَكُمْ»، قَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِى أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا المُنَافِقِ، قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ». (روضة خاخ) موضع بين مكة والمدينة. (ظعينة) المرأة فى الهودج، وقيل: المرأة عامة، واسمها سارة وقيل كنود. (تعادى بنا) تباعد وتجاري. (عقاصها) هو الشعر المضفور. (ملصقا) مضافا إليهم ولست منهم وقيل معناه حليفا ولم يكن من نفس قريش وأقربائهم. (يدا) نعمة ومنة عليهم. (اطلع) نظر إليهم وعلم حالهم وما سيكون منهم. أولا: كل من نال شرف صحبة النبى صلى الله عليه وسلم فهو عدل فاضل، ثبتت عدالته وفضله بتعديل الله عز وجل له، قال الله تعالى: (لَكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الْخَيْرَاتُ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة: 88- 89] وقال بعدها: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة : 100]. وفى حديث أبى سعيدٍ المتَّفق على صحَّته: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال (لا تسبُّوا أصحابي، فوالذى نفْسى بيدِه، لو أنَّ أحدَكم أنفق مِثل أُحُدٍ ذهبًا ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نصيفَه). و(عدالة الصحابة فى الكتاب لا تمثلها آيات محددة مخصوصة، إنما القرآن كله شاهد على عدالتهم واستقامتهم من حيث إنهم الأمة التى حملته ورفعت لواءه وجاهدت من أجله؛ فكل الآيات التى أثنت بالخير أو بينت طبيعة المجتمع المسلم وسبل بنائه وتكوينه، أو أظهرت صفات المجاهدين وما أعد الله لهم، أو بينت سمات المتقين ومآلهم، أو أبرزت محاسن المفلحين الفائزين، يمكننا أن نعدها بجملته أدلة قرآنية على تعديل الصحابة الكرام رضى الله عنهم). الموسوعة العقدية. والأمة مجمعة على عدالتهم وفضلهم حتى من عاش الفتن التى حدثت بينهم، لا يحتاجُ أحدٌ منهم مع تعديلِ الله تعالى لهم -وهو المطَّلع على بواطنِهم- إلى تعديلِ أحدٍ مِن الخَلْق لهم. ولا تنتقد هذه العدالة إلا بأمر صريح واضح لا لبس فيه ولا مدخل فيه للتأويل.