أجرت مجلة «لونوفيل أوبزرفاتور» الفرنسية بمناسبة عرض الفيلم المصري «18 يوم» بمهرجان كان السينمائي الدولي حوارا مع المخرج السينمائي يسري نصرالله وقد تطرق خلال الحوار إلي «موقعة الجمل» التي شهد أحداثها ميدان التحرير وكانت تلك الموقعة مدخلا عاما للحديث عن ثورة 25 يناير التي أبهرت العالم. فيلم 18 يوم عبارة عن 10 أفلام قصيرة ل10 مخرجين منهم يسري نصرالله شاركوا شباب الثورة أحلامهم في مصر ليسودها العدل والحرية والمساواة. كيف عشت أحداث الثورة؟ كانت أيام مجيدة، كنا مئات الملايين في ميدان التحرير ،نكتشف بعضنا البعض ونكتشف أنفسنا... لم نكن نظن أننا قادرون علي مثل هذا الانجاز العظيم... لكن اليوم الأمر اختلف. منذ اليوم الأول للمظاهرات وحتي رحيل مبارك في11 من فبراير ، كنت تدور ليلا ونهارا في فلك الأحداث.. بالتأكيد، فعندما لا أكون في ميدان التحرير، كنت أسهر في اللجان الشعبية لتأمين الحي الذي أسكن فيه. كنا معزولين عن العالم ،بلا تليفون أو انترنت فكنا نتحدث مع جيراننا للمرة الأولي. كانت المناقشات لا تنتهي بين من يؤمنون بالثورة وحلموا بها منذ وقت طويل وبين من يخافون منها، لكن الكل أجمع علي أننا نعيش حدثا غير مسبوق فآخر ثورة عرفتها مصر كانت عام 1919 . وبالرغم من سقوط مئات الشهداء في المواجهات مع الشرطة ، لم يلجأ المتظاهرون للعنف.. وهذا شيء عظيم! هل كان نزولك إلي الشارع كمواطن أم كسينمائي؟ الاثنان معا! لقد قمت بتصوير أحداث الثورة بكاميرا جيب. قد قررت أنا وتسعة من زملائي السينمائيين ابتداء من شهر فبراير بتصوير 10 أفلام قصيرة مستوحاة من الواقع. فيلمي "داخلي خارجي" يحكي قصة رجل يرفض ان يترك زوجته تغادر بيت الزوجية للمشاركة في المظاهرات.. أما مروان حامد ، مخرج الفيلم الشهير "عمارة يعقوبيان" فقد اختار ان يصور فيلمه في تحقيق يدور في مقر أمن الدولة. فيلمك يتناول أحد الموضوعات المفضلة لديك : وضع المرأة.. بالطبع ، ففي ميدان التحرير كانت النساء بالآلاف.. محجبات وغير محجبات. ولن أنسي أبدا شابا ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين عندما صعد علي المنصة وقال "أنا اليوم أقدم اعتذاري لكل الأخوات اللاتي لا ترتدين الحجاب لأنني عاملتهن علي أنهن غير محترمات، واليوم أقول لهن: نحن من كنا غير محترمين لنفكر بهذه الطريقة". لكن مع هذا، ألا تخشي تصاعد التيار الإسلامي؟ ما يخيفني من الإخوان المسلمين ليس الإسلام، لكن الديكتاتورية الجديدة التي قد يتسببون في فرضها. إلا إنني مازلت متفائلا ،فالناس أصبحوا متمسكين بشدة بحرياتهم الفردية ولن يتركوا شيئا مثل هذا يحدث. هل تعتقد أنه لا يمكن لهذه الثورة أن تعود إلي الخلف..؟ هذه الثورة ليست نظرية، كل المصريين من كل الطبقات الاجتماعية ، رجالا ونساء عاشوها وشعروا بها وجربوها. وأصبحت الآن جزءا من تاريخ كل منهم لا يمكن نسيان ذلك.. لن يسمح الناس بأن "يفقدوا رجولتهم" من جديد. قلت إن الديكتاتورية تخلق حالة من الكراهية للذات؟ هذا هو شرط وجودها! فالديكتاتورية تحبس الإنسان داخل حدود عجزه: غير قادر علي شيء، لا يحاول فعل شيء ولا يريد أن يعرف شيئا.. إنها نظام يمكن أن يقضي علي روح الشعب. كيف تري اليوم دورك كمخرج؟ مثل الإيطاليين واليابانيين بعد الحرب العالمية، كان للسينمائيين دور في علاج الأرواح الجريحة، ليس بمحو الأخطاء ولكن علي العكس بمواجهة مسئولياتنا. إن فيلم "احكي يا شهرزاد" دليل علي أننا لم نكن مخدوعين . كانت الأوضاع تغلي منذ وقت طويل. هل تبلورت لديك فكرة فيلمك القادم؟ أنا مبهور بركاب الجمال الذين هاجموا المتظاهرين في ميدان التحرير، أريد أن أذهب لزيارتهم والاستماع إليهم.. ارفض أن أظل منساقا وراء تلك الصورة الوهمية التي روجتها وسائل الإعلام علي إنها "موقعة الجمل".. إن هذا الحدث يخفي وراءه حقيقة يجب أخذها في الاعتبار: الخوف الذي حرك هؤلاء الأشخاص، خوفهم من ألا يجدوا قوت يومهم . اليوم نحن نلعنهم ونجرح فيهم.. هذا شيء مشين!! نحن لم نقم بالثورة لنقسم الناس إلي أشرار وأخيار. هل يمكن لسينما مصرية جديدة أن تزدهر بعد الثورة؟ في الماضي ، كان عندما يخرج فيلم "خارج القطيع" كان علي الفور يتعرض إلي حملة تشويه علي طريقة "هذا فيلم مهرجانات لا يصلح للجمهور".. وهو ما أتضح خطأه.. الآن أفلامي تُعرض في التليفزيون صحيح مع قطع بعض المشاهد، لكن لا بأس- والناس يتحدثون معي عن هذه الأفلام بحماس. لقد أصبح للسينما عليهم نفس التأثير الذي شعرت به وأنا طفل :شباك يسمح بمرور بعض الهواء والنور. ماذا تتوقع من الانتخابات القادمة في سبتمبر المقبل؟ لن تكون سهلة .. ستكون هذه أول مرة نري أحزابا مستقلة ويجب أن نترك لهم الوقت لينظموا أوراقهم، فكل مؤسسات الدولة منهارة ما عدا الجيش.. ونحن نبدأ فعليا من الصفر وليس لدينا أي خبرة في المواطنة .. إلا أنني مليء بالأمل من أجل مصر. هل فكرت في يوسف شاهين، الذي توفي قبل أن يري انتصار الحرية؟ أنا متأكد أنه الآن يقفز من السعادة في قبره! الثورة ، هي أيضا القدرة علي ابتكار شيئ مختلف.. وقد كانت الشعارات المبتكرة خير دليل علي موهبة المصريين في هذا المجال.. نعم وكانت تنطوي أيضا علي الكثير من الفكاهة، فأنا أتذكر ذلك الشاب الذي رفع لافتة مكتوبا عليها "ارحل ! إيدي وجعتني".. إن القدرة علي الفكاهة هي جزء من استعادة الذات.. و يا له من نصر فاستعادة الذات تعطي الثقة والقدرة علي الحب..كم هو جميل هذا الشعب عندما لا يكون خاضعا.