أخبرني صديق أن أحد الباعة الجائلين يتواجد في الثامنة من مساء كل يوم لبيع "تي شيرتات" أديداس ونايك، وغيرها من الماركات العالمية بسعر 35 جنيها لكل تي شيرت أصلي، ونظرا للظروف المادية الصعبة التي تمر بها مصر كلها فقد ذهبت مساء أمس الأول للظفر ببعض من هذا الكنز، أو كما أسماها صديقي "غزوة الأديداس" بشارع طلعت حرب. وسط القاهرة الذي كان المكان الذي يرتاده المثقفون والنخبة، تغير منذ سنوات عدة، وانتقلت معظم المحلات الكبيرة إلي المهندسين وعباس العقاد، قبل بدء زمن المولات، التي أصبحت تجتذب أعدادا كبيرة من أبناء الطبقة الوسطي، لكن وسط القاهرة الذي كان قبل 25 يناير لم يعد بعده. من الثامنة مساء وربما قبلها، يحتل قلب القاهرة الباعة الجائلون، ولا يكتفون بالأرصفة، بل يستولون أيضا علي أجزاء كبيرة من أنهار الشوارع المخصصة للسيارات، بحيث لم يعد في المنطقة مكان للمارة، ولا للسيارات. عشرات من الباعة الجائلين ينادون علي سلعهم في مشهد أبشع حتي من وكالة البلح، سألت صاحب الفرشة، من أين تأتي بهذه ال«تي شيرتات» الماركات، فأجاب دون تردد: من أركيديا. قبل غزو الأديداس، قام مئات بهجمات منظمة علي أركيديا وكارفور، ومحلات جامعة الدول العربية وسائر منطقة المهندسين، لكن البضاعة التي تحمل ماركات عالمية مكتوباً عليها أنها صناعة أجنبية ليست كذلك، ومن يعرف الفارق جيدا يدرك أنها من صناعة بئر السلم.. وليست مسروقة.. إنها ببساطة مضروبة! وفي ميدان الإسعاف انتشر الباعة الجائلون أيضا، وظهرت عربات الكبدة، وفرش أحد الباعة فرشة لبيع سمك وجمبري وكابوريا في قلب الميدان، وفي ميدان رمسيس خاضت الشرطة والقوات المسلحة معركة مع الباعة الجائلين لتحرير ميدان رمسيس، وفي شارع جامعة الدول العربية شاهدت توك توك يسير وهو يحمل علم مصر وملصق شهداء الثورة.. وبينما كانت السيارات تمر بغاية الصعوبة من خلفه، مرت سيارة موديل 2011، قام صاحبها بطلاء أرقام السيارة باللون الأبيض بحيث أصبحت بدون أي أرقام علي الإطلاق. اندلعت الاحتجاجات في مصر وهي ترفع شعار الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكل ذلك يقودنا إلي هدف رئيسي هو دولة القانون، فقد كان القانون غائبا أو مغيبا، لا يطبق علي الكبار، ويعاني منه الصغار والغلابة فقط، وبدلاً من أن يعود القانون ليسري علي الجميع، منح المواطنون القانون إجازة إجبارية غير مدفوعة الأجر، وصنع كل مواطن قانونه بنفسه. وحين تنطلق غداً جلسات الحوار الوطني التي يرعاها نائب رئيس الوزراء الدكتور يحيي الجمل، مع ممثلين عن الأحزاب وقوي سياسية ومفكرين وغيرهم، أعتقد أن أول شيء عليهم أن يبحثوه هو عودة القانون ليسري علي جميع المواطنين، فبلد بدون قانون هو غابة البقاء فيها للأقوي، والبلطجي، وصاحب التوك توك، وبتاع فرشة السمك، وصديقنا العزيز بطل غزوة أديداس في وسط القاهرة.