منذ 25 يناير ولا توجد مؤسسة أو هيئة أو شركة في مصر ليس بها اعتصام أو إضراب، ومكتبة الإسكندرية لم تكن استثناء من هذه المؤسسات، إلا أن مكتبة الإسكندرية لها طبيعة خاصة تختلف عن مؤسسات أخري كثيرة في مصر، فهي مؤسسة ثقافية ذات طبيعة دولية تعمل في إطار الحوار وتعدد الثقافات، منذ بدأت في 2002 وهي تلعب دورا هاما في الحياة الثقافية المصرية والعربية، وهذا باعتراف كل من زارها وتعامل معها. كما لاحظت في عدة جلسات مع عدد من المثقفين أنهم يطالبون بدور جديد للمكتبة وبأنشطة جديدة للمكتبة وعندما أتناقش معهم أجد أنهم يتحدثون عن أنشطة قائمة بالفعل، وأصبحت في حيرة أين الخطأ، لأن المكتبة لديها موقع علي شبكة الإنترنت يدخل عليه ملايين ينشر به كل فعاليات المكتبة، ويتم إرسال نشرة صحفية بكل الأحداث التي حدثت وستحدث علي جميع وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية محليا وعالمياً، ومع ذلك هناك أنشطة تحدث بالمكتبة ولا أحد يشعر بها. فعلي سبيل المثال، يقوم مركز القبة السماوية بعمل أنشطة هائلة في المجال العلمي، يقوم فيه بعمل ورش عمل وندوات ولقاءات حول التجارب العملية وكيف يمكن إجراء التجارب العلمية وذلك للأطفال والكبار، وتم أكثر من مرة عمل معارض للعلوم شاركت فيها العديد من المدارس علي مستوي الإسكندرية، ولاقت إقبالا كبيرا، والآن استمع لبعض المثقفين يقولون لماذا لا يكون هناك نشاط علمي مقدم من المكتبة للمجتمع السكندري، وفي الحقيقة لا أجد ردا علي هذا السؤال. بالتأكيد هناك خطأ، وقد تكون المكتبة عليها دور في هذا الخطأ، ولكني حاولت أن أجد حلولا من بعض من حادثتهم عن الطريق الذي يمكن أن يعلموا به ما يحدث، ولكني لم أصل لحل. وهذا أيضا لا ينفي أن هناك الكثير من الأفكار الهائلة والمبتكرة التي يقدمها المثقفون ويجب أن تستفيد منها المكتبة. يجب أن نعترف أن مكتبة الإسكندرية استطاعت أن تحرك المياه الساكنة في الحياة الثقافية المصرية، بل والعربية وأن تقدم حوارات ثقافية وحضارية متنوعة طوال تسع سنوات، في مجالات: الفنون، التاريخ، الأدب، الدراسات العلمية، الفلك، الآثار، والسياسة، ولم تغفل الأطفال والشباب في أنشطتها، وأنا هنا في حل أن أسرد جميع الأنشطة التي تقدمها المكتبة والفعاليات لأن هذا لن يكفيه مقال من عدة صفحات، ويمكن لمن يريد التأكد أن يدخل علي موقع المكتبة علي الإنترنت ويستعرض ما تقدمه المكتبة. لقد احتضنت المكتبة شباب الأدباء وخصصت لهم ندوة أسبوعية من خلال مجموعة "إطلالة" الأدبية، ثم قامت بتنظيم "مختبر السرديات" الذي يتبني المواهب الأدبية في القصة والرواية والنقد، ويقوم باستضافة الأدباء والمثقفين من مصر والعالم العربي من أجل إقامة حوار بينهم وبين الأدباء في الإسكندرية. كما تقوم المكتبة بتنظيم احتفاليات دورية للعديد من الفعاليات الثقافية الهامة، كما قامت المكتبة بتنظيم فعاليات "ملتقي الإعلام الدولي" والذي جمع أكثر من ثمانين من قيادات الإعلام في العالم العربي علي مائدة واحدة داخل مكتبة الإسكندرية ليتحدثوا عن قضايا حرية الإعلام وقضاياه المتعددة، وغيرها من فعاليات من الصعب أن نذكرها كلها في مقال واحد كما سبق وذكرت، ناهينا عن منتدي الإصلاح العربي، والذي يهاجمه البعض الآن، ولكني أدعو من يهاجم منتدي الإصلاح العربي الذي عقد علي مدار ثماني سنوات أن يقوم بالاطلاع علي ما صدر منه من دراسات وأبحاث ونقاشات وهي موجودة ومسجلة وعلي وثيقة الإسكندرية التي أصدرها المنتدي وأن يقرأها، وسوف يكتشف كيف أن مكتبة الإسكندرية كانت سباقة، ولكن كالعادة فإن الدراسات والأبحاث والنقاشات ليست فقط الخاصة بمكتبة الإسكندرية تظل حبيسة الأدراج طوال النظام السابق، وأتمني من النظام القادم أن يجد الفرصة ليفتحها ويقرأها من جديد. إن الحراك الثقافي والفكري الذي قامت به مكتبة الإسكندرية في المجتمع المصري يشهد عليه كثيرون، ولا يمكن لهذا الحراك الثقافي الضخم أن نختزله في شخص أو مجموعة أشخاص، وإنما يجب أن نعلم أن وراءه جيشا هائلا من العاملين بالمكتبة معظمهم شباب متوسط أعمارهم تسع وعشرون عاما، ولمن لديه اعتراض علي فرد أو أفراد بعينهم، هذا من حقه لأنه رأيه ويجب أن نحترمه، ولكن لا يجب إغفال أو التغافل عن كل ما تم.